بقلم : نور العلي يُعرض الألم أمام أعيننا وعلى شاشاتنا في ظل كابوس أمطر سماء وطننا وسقاها حتى الإشباع, في خضم تعويذة حلت على بلادنا كانت نذير شؤم الكثير من المشاهد والأحداث التي من شأنها أن تفقدنا اللبّ والعقل .فاللوحات التي رسمت بمشاهد الحزن والألم أبلغ من أن يتكلم عنها كيف لا وأبطالها رجال ليسوا كالرجال, ونسوة لسنَ كالنسوة , إنها لوحات ومشاهد أضحت نبراسا يتأسى بها كل شخص ألمت به نائبة, أبطالها سوريون رسموها بأعز وأغلى ما يملكون منها:أب يفقد ابنه، الذي يحلم بليلة زواجه، حيث مضى يشتري له بيتا وأساسا، والابتسامة لا تفارق وجهه، فإذا به يغادر الحياة دونما عودة، وعندما سئل كيف أنت ؟ أجاب :الحمد لله أن أكرمني باستشهاد ولدي.شاب فقد ذراعه، التي راح يرسم بها أفق مستقبله، حالما بذلك اليوم الذي يرسم فيه مخططا لبناء وطنه من جديد، ولما سئل هل تؤلمك يدك ،قال :لا سبقتني إلى الجنة .فتاة زفت حبيبها إلى جنة الخلد بعد أن كانت تحلم ببيت صغير يضاء بشموع خافتة وطفل يحمل ملامح أبيه، سألتها صديقتها ما بك؟ قالت: وعدني ألا يفرق بيننا إلا الموت وقد صدق بقوله، غادرني إلى الجنةحيث اللقاء.طفل صغير استشهد والده وكلما سمعهم يقولون قد مات، قد رحل، يصرخ بأعلى صوته لا لا، بابا لم يمت ذهب إلى الجنة وقد وعدني أن يرسل من يأخذني إليه، سمعت أمه هذه الكلمات فضمته إلى صدرها وتمزق القلب ونزفت العين، وقالت: يا رب.الأمثلة كثيرة في واقعنا البائس, فكم من بيت تهدم فوق رؤوس أصحابه؟! وكم من عائلة عانت فقد الأب والأخ والزوج والحبيب!؟ وكم من أولاد في غياهب المعتقل ؟!أبطال هذه الأحداث هم بشر، لكنهم ليسوا كباقي البشر، إذ إنّ قلوبهم مفعمة بالإيمان، وبحب الله، والرضى بقضائه.اتخذوا من الصبر ديدنا لحياتهم، ولباسا يخفون خلفه علقم أوجاعهم وأحزانهم، متوشحين بالصبر ليمسحوا دمعات قد تنهمر من أعينهم الحزينة وقلوبهم المتكسرة.الصبر هو ذاك البلسم الذي يداوي الجراح ويلطّفها، لولاه لما استطعنا إكمال حياتنا ولا تابعنا ما قد خططنا لفعله من أهداف ومشاريع.لكن ليس كل إنسان يستطيع احتراف الصبر، فهو بالرغم من آثاره الإيجابيّة وفضائله العظيمة، إلا أنه موجع مؤلم، ولو كان الصبر بالأمر السهل الهين اللين لما جعل الله ثواب الصابرين جنة بلا عذاب.وحدهم المؤمنون يدركون فائدة الصبر ويمارسونه، يتعاطونه والابتسامة تعلو وجوههم، لا يسأمون مما أرادوا الوصول إليه، ولا يبرمون إن طال بهم الوقت، ولا يشكون همهم لغير الله.يرنون بنظرهم إلى السماء نظرة المتطلع إلى فرج قريب يظلهم بظلال وافرة، ينظرون إليها نظرة المتطلع لغيث منهمر يسقي صحراء القلوب فيرويها فرحا, لحظة السحر تجدهم مقبلين بقلوبهم إلى بارئها، ينادون يا مليكا يا مقتدرا، من لنا إلاك يا ألله، فيمنحهم قوة لا تضاهيها قوة، وكرامة لا تضاهيها وعزا ما بعده عز، وشرفا ما بعده شرف .الصبر هو أمر الله لرسله، وكلنا أصحاب رسالة على هذا الأرض.