منذ حوالي شهر أنهت تونس انتخابات رئيس الجمهورية في مشهد جديد كلياً على الساحة العربية، فالرئيس التونسي القادم ليس من الحرس القديم الذي استطاع إعادة إنتاج نفسه كسابقه، وليس من الجماهير التقليدية للثورة، أو من أحزابها وممثليها، بل مجرد مرشح مستقل تماماً، وكما يقول التوانسة “خارج السيستام”.
ما جرى في تونس كان مفاجئاً جداً حتى لجمهور عريض من التوانسة أنفسهم، فحتى مؤيدي الرئيس المنتخب لم يكونوا يتوقعون أبداً أنهم سيستطيعون الوصول بمرشحهم لقصر قرطاج، وإنما كان يحملهم الأمل فحسب، والإصرار على خوض التجربة، هذه التجربة التي لا تستند اليوم إلى أي مرجعيات مشابهة تسمح بتوقع الخطوات القادمة للنظام أو للرئيس المنتخب.
ربما لفظ الرئيس المنتخب بحد ذاته جديد على المنطقة ككل، وأن يكون رئيساً من عامة الناس لا قوة تحميه ولا حزب يحتضنه، لهو شيء محير ويضع النظام بكامله في تونس ضمن حسابات جديدة لم يكن مستعداً للتعامل معها، وربما هذا ما يفسر الهدوء السياسي التونسي منذ الانتخابات وحتى اليوم، الجميع يترقب، والجميع يحاول صنع تحالفات جديدة، أو صراعات جديدة.
ليست مهمة الرئيس سهلة، بل تكاد تكون مستحيلة من وجهة نظر سياسية، رئيس بلا حاضنة في مواقع القوة السياسية، وبلا حاضنة أيضاً في مؤسسات التنظيم الجماهيري، نقطة الارتكاز الوحيدة لديه هي (الشعب) التونسي الذي انتخبه، وهي مرتكز غير صلب سياسياً وغير قادر على المواجهة العنيفة إذا ما تم استهدافه بها.
ليس هناك حالة مثالية في تونس أو في غيرها تسمح للرئيس مهما كان منتخباً بالتحرك خارج الأطر التقليدية للنظام السياسي إلا إذا حملته قوة قادرة على تغيير هذا النظام، وإن أي صدام أو اتكاء على الشرعية المجردة من القوة يؤدي عادة إلى سقوط الشرعية، وفي حالة تونس يبدو أن الشرعية الجديدة غير مرحب بها داخلياً ولا حتى خارجياً، باستثناء الترحيب من الجماهير المتعطشة لأن تقول كلمتها، وقد فعلت.
ربما يلجأ الرئيس المنتخب لصناعة ائتلاف من القوى الشعبية والسياسية في البلاد يسمح له بالبقاء وتحقيق طموحة بالتغيير عندما يفرض نفسه كمرتكز للتوازن، وربما يميل نحو أحد الأطراف لصناعة تغيير أو لبدء صراع، وربما ينسحب من اللعبة ويعطي لنفسه فقط صلاحيات متابعة التنافس بين القوى المختلفة، ولكن الشيء المرجح بقوة أن فترته الرئاسية ستكون شاقة جداً، ولا أحد يستطيع القول: إنها ستنتهي بسلام. سيكون الرهان مجدداً على قوة الشعب، ولكن هذه المرة على قدرته على التنظيم والمدافعة، وحماية كلمته التي أوصلها لقصر قرطاج، مهما بلغت كلفة التضحية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي