عبد الملك قرة محمد |
بطريقة أو بأخرى يمكن لثوار وأنصار الثورة السورية التي نادت بالكرامة أن يجدوا ثورتهم في مقام أعلى من الثورات الأخرى سواء التي قامت في العالم أو تلك التي تشتعل في المدن السورية حديثًا.
السبب بسيط وواقعي هو أن ثورة السوريين 2011 لم تحقق مكانتها من أهدافها فقط، بل من التضحيات التي قدمها السوريون خلال عقد كامل، 10 سنوات من الدماء أليست كافية لتصبغ هذه الثورة صبغة حمراء مميزة عن غيرها؟! وأي مكانة أعلى من تلك التي نصل إليها بالدماء؟! هذه حقيقة لا ينكرها عاقل.
نأتي الآن إلى الأمر غير المبرر، وهو مهاجمة بعض المحسوبين على الثورة السورية للمظاهرات التي تشهدها السويداء بحجج كثيرة منها، أنها جاءت متأخرة، وهي ثورة جياع وليست ثورة طلّاب كرامة مع توقعات بزوالها قريبًا، بل وأكثر من ذلك، فكثيرون رأوا أن هذه المظاهرات مُدبَّرة من قِبل المخابرات التابعة لنظام الأسد.
في الحقيقة لا يمكن لنا ألا نعدَّ هذه المظاهرات متأخرة لأنها أتت بعد ما يقارب العشر سنوات، لكن هل قامت الثورة في كل المدن السورية عام 2011 بالعام نفسه؟! ألم تتأخر مدينة حلب عن غيرها من المدن لظروف ألمت بها؟! لكن هل يمكن لأحد أن ينكر التضحيات التي قدمتها في سبيل الثورة؟!
لنفرض أن فكرة الثورة وصلت إلى أهل السويداء الآن، والأسباب لذلك كثيرة منها حملات النظام في تشويه الحراك الشعبي، وأيضًا محاولته تأجيج الخلاف بين الدروز والسنة، لكن أهمية المظاهرات فيها ماهي إلا دليل نسف رواية النظام، فالحرب في سورية ليست أهلية، ومطالب الثوار مطالب شعبية محقة، إضافة إلى أن هذه المظاهرات مميزة عن غيرها؛ لأنها تقوم للمرة الأولى في مدينة غير (سنية) وهنا يتكشف للجميع أمر آخر وهو أن الثورة ليست حكرًا على أحد، فهي ليست طائفية، والأيام القادمة كفيلة بكشف نوايا المتظاهرين ومطالبهم الحقيقية.
ننتقل الآن للحديث عن أمر آخر (ثورة الكرامة وثورة الجوع) موازنة مغلوطة أججت مواقع التواصل الاجتماعي بين قائل بأن الثورة في السويداء ثورة جوع، وبين آخر يقول: إنها ثورة كرامة وليست ثورة جوع.
لكن لحظة من فضلكم، أليس الجوع يناقض الكرامة؟ أليست المطالبة بحق (الطعام) مطالبةً بالكرامة في الوقت نفسه؟! أليس هذا من أبسط حقوق الإنسان؟ ألا يشعر أحدنا بالذل وانعدام الكرامة عندما لا يجد ما يأكله أو عندما يشاهد جاره أو أي شخص يبحث في القمامة ليجد لقمةً لأطفاله؟ غريبة هذه الموازنة بين شيئين يؤديان معنًى واحدًا.
لكن يجدر التنويه أن الثورة لو كانت تطلب تخفيض الأسعار وتوفير الطعام لَما شاهدنا الصور والشعارات التي رفعها المتظاهرون ضد بشار الأسد ونظامه، فكيف ينتظرون المساعدة ضد الجوع من نظام يسبونه و(يبعصون) صوره بعصة وطنية ويلعنون أمه على أبيه في كل مظاهرة؟! ألا يُعدُّ خروجهم بعد أن شاهدوا ما حصل من قتل وتهجير شجاعة بحد ذاته؟! أليس فخرًا أن تخرج من داخل السويداء مظاهرة تهتف باسم رموز الثورة كالساروت؟!
أما ما يتعلق بأبناء ثورة 2011 من داعمين وناشطين وإعلاميين ومدنيين يدعون حمل أفكار الثورة السورية، فلا بد أن يؤيدوا أي حراك شعبي يهب لإسقاط طاغية، أو لهدم معتقد اجتماعي، كالعنصرية على غرار المظاهرات الأمريكية التي أيدها معظم أطياف الشعب السوري؛ لأنها تتقاطع مع أهداف الثورة السورية في نيل الحرية والمساواة وهدم العنصرية والطائفية..