كثيرةٌ هي المنعطفات التي مرَّتْ بها الثّورة السّوريّة على مدى سبع سنوات وكادت أن تحرفها عن مسارها.
ومن الظّلم أن نجمع (ولا نفرّق) بين تلك المشاريع الصّغيرة التي حاولت العبث تارةً وعبثت تارةً أخرى بإستراتيجيّة عمل بعض المؤسّسات والهيئات العاملة في كنف الثّورة، وبين تلك التّيّارات التي أُدخِلَتْ بمنهجيّة معيّنة للعبث في أيديولوجيّة الثّورة ككلّ، ما معناه حرف الثورة عن مسارها بالكامل، والجدير بالذّكر ها هنا أنّنا عندما نذكر (الثّورة) في هذا السّياق فالقاموس الثّوريّ لا يحتمل إلّا ترجمة وحيدة ألا وهي (الشّعب).
يُؤكّد التّاريخ على مرِّ العصور أنَّ إرادة الشعوب لا تقهر ولا تنكسر، مروراً بالحرب الأمريكية في فيتنام، والجهاد الأفغاني ضدّ السّوفييت، والتجربة اليابانيّة في النّهوض، والمقاومة اللبنانيّة ضدّ إسرائيل، على اختلاف تلك التّجارب في جوهرها إلّا أنّ الرّابطة الوثيقة التي تجمع بينها هي الإرادة التي لم تنكسر!
ولكنّ الذي قد يكسر إرادة الشّعوب في مثل هذه التّجارب التّاريخيّة هو تلك التّيّارات التي تدخل على حركات التّحرّر والثّورات للعبث بأيديولوجيّتها لحرفها عن البوصلة نهائيّاً، وبالتّالي تحويل الإرادة من هدف إلى هدف آخر، فتضيع حركات التحرّر بأيديولوجيا جديدة غير التي استمدَّتْ منها إرادتها لتحقيق أهدافها، وتجد نفسها أمام مشروع جديد، وربّما مشاريع لا طاقة لها بها وبذلك تكون فد تحقّقتْ نبوءة الطّرف الآخر بكسر إرادة الشّعوب ونجحتْ محاولاته.
الأمثلة على ذلك كثيرة ومنها ما حصل في أفغانستان بعد انسحاب المعسكر السّوفييتي منها، وما حصل في العراق في الفترة الآنيّة لصدّام حسين، وتجربة الجهاز الخاص ضمن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأيضاً في سورية، وأيضاً قُبيل ظهور ما يعرف اليوم بالمقاومة اللبنانية (حزب الله) في لبنان في فترة (حركة أمل).
في إطار الثّورة السّوريّة لا شكّ أنّ التّيّار الأخطر الذي عصف بالثّورة وأُدخِلَ للعبث في بوصلتها هو تلك الجماعات التي ولِدَتْ من رحم العدم واللاشيء، ورفعتْ الشّعارات البرّاقة والرّنّانة تتغنّى بأن المشروع في سوريو هو مشروع أمّة!
مشروع أمّة أتى بأمم الأرض كافّة ليجمعها فوق أرض سورية ببعدٍ ثلاثيّ الأقطاب (مناصر، ومخالف، ومحارب)، فهدم على الشّعب مسيرته الثّوريّة التي ابتدأها، وبعثر خطاه التي مشى عليها، وشتّتْ أهدافه التي يرنو إليها.
ولو أنّهم ناصروا ونصروا هذا الشّعب في ثورته من أماكنهم بغير هذا الشكل البدائيّ (في نصرة الأمّة) لانتصرت ثورة الشعب وانتصرت الأمة بنصرها، ولكانت أوّل خطوة في نجاح مشروع الأمّة.
ولكن كان هذا الفجَّ والسبيل الوحيد لكسر إرادة شعبٍ في ثورته ما لانت عزيمته قط، أولئك الذين جعلوا من الثّورة قشرة خارجيّة سمّوها (مشروع أمّة) تنطوي تحتها أيديولوجياتهم لقهر إرادة الشعب وحرف بوصلته وإخراجه من بوتقة الثورة، ذوي تجربة فاشلة فضحتها ساحات الحرّية اليوم بالجموع التي نزلت إليها في البقاع المحرّرة، ولا زالت تنادي بأهداف الثورة الأولى وترفع شعاراتها الثّابتة على أنها (ثورة شعب) وليست مشروع أمّة.
كثيرة هي تلك التّيّارات التي حاولت ولا زالت تحاول العبث في أيديولوجية الثورة، فمنهم من جعلها سيطرة، ومنهم من جعلها قاعدة، ومنهم من جعلها تبعيّة لدول جائرة، وما هي إلّا ثورة شعبيّة بريئة من كل ما سبق.