بقلم :: أحمد أبو الفداءقد لا يكون في التاريخ الحديث للثورات والتحركات الشعبية حدث كالثورة السورية، أنتج هذا العدد الضخم من الصور في ظل غياب كامل لأي تمثيل سياسي لتلك المشاهد أو لغة توحِّدها أو تنظِّمها, إن هناك غد أفضل تحت أنقاض حمص، بل مجرّد أرضية لمعاينة الأمور, ما أجمل حياة الحرية داخل هذا الفراغ الكبير الخالي من كل العوائق والفواصل والحدود, الحرية الكل يتمناها الكل يريد أن يحصل عليها, ولكن في المقابل هناك آخرين يقفون ضد هذا الهدف وضد هذا المشروع السامي, يقفون لأنهم يعلمون بأن حرية شعبهم سوف تذهبهم إلى الجحيم جراء أعمالهم الإجرامية ضد الأبرياء والأطفال, فإن الحرية هي حق مشروع لجميع الناس ما دام أنهم أحياء على هذه الأرض, الحرية السليمة الصحيحة, لكن هذه الحرية لن تأتي إلا بالقوة, رغم محاولتنا مرارا وتكرارا بأن نحصل عليها سلمياً, حتى فعلنا كما فعل رسول الله “صلى الله عليه وسلم”, حيث قام بإرسال مبعوثيه برسائل لكل القوى العظمى المحيطة به يدعوهم إلى الاسلام, وحدث هذا في العام السابع للهجرة حيث لاتزال دولة المدينة فتية صغيرة بالأوزان المادية أثناء غزوة الخندق التي وقعت في العام الخامس للهجرة, وهذا – أي إرسال الرسائل لقادة الدول الكبرى – بمنطق الذين يهولون من مواجهة أمريكا الآن أو مواجهة نظام بدون سلاح متكافئاً – يعتبر عملا مغامرا وخطيرا, فقد استقبلوا كتب الرسول بصورة عدوانية وقاموا بقتل الحارث بن عمير الأزدي مبعوث رسول الله إلى حاكم بصرى, ويعد ذلك العمل عملا عدائيا, وبمثابة إعلان للحرب, حيث جرت المعركة على أرض الرومان وبعيدة عن خطوط إمداد المسلمين ، لذلك عندما حزن بعض المسلمين من عودة الجيش بدون نصر كاسح وقالوا ” فرار ” رد رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بل كرار إن شاء الله”, وبالفعل فهذه المواجهة رفعت من شأن وهيبة العرب عامة والمسلمين خاصة، وكانت علامة فارقة على بداية تقويض دولة الرومان, وإذا كان مدلول الاستراتيجية يعني استخدام القوة, أو التهديد باستخدامها, فإن التهديد باستخدام القوة والقدرة على فعل ذلك بدا جلياً, فنحن الأن في سوريا نواجه طغاة العالم ليس فقط طاغية الشام, وخصوصاً بعد أن قتل من خرج بمظاهرتنا ينادي برسالة الحرية, نحن لن نصنف الثورة السورية حتى لا نسيء للأبطال الذين سطروا أروع الملاحم, في الوقت الذي تحولت به الثورة من سلمية إلى مسلحة, كان لابد من أرسال رسالة قوية لنظام الأسد, لكن بالوقت نفسه لم يخفى على أحد في حقبة الفتور الثوري العسكري الذي وقف ضد الطاغي وعصاباته, ظهور وجوه في ثورتنا كانت معروفة بالتشبيح أو حتى موالية للنظام, فمنهم من صدق بتوبته رغم تأخره لرؤية الحقيقة, لكن معظمهم من دخل ثورتنا لمصالح شخصية, أو أتباع النظام دست بيننا لتغير مسار ثورتنا, ويعود هذا كله إلى عدم وجود وعي كامل أو وجود هيئة ثورية مسؤولة, تسأل عن هذا الاختراق, رغم هذا كله, فإنه لا يعيب ثورتنا, وهذا لا يعني ألا نحل القضية, فالحل موجود دائماً, وذلك يكون بتوحيد الصفوف وإعادة هيكلة الفصائل المقاتلة ذاتياً وذلك يكون بالوعي الذاتي, فبذلك ” إن شاء الله ” سنقهر هيبة العالم المتآمر علينا, لأن غزوت الرسول ضد القوى العظمة رغم المصاعب التي واجهها المسلمون من قلة العدد والعتاد, و ما ترسخ في ذهن العربي في جاهليته من أن الروم قوة لا تقهر، فكان لا بد من هذا النفير العام لإزاحة هذه الهزيمة النفسية من نفوس العرب, فكانت النتيجة, إظهار قوة المسلمين كقوة وحيدة في المنطقة قادرة على تحدي القوى العظمى عالميا “حينذاك” ليس بدافع عصبي أو عرقي، أو تحقيق أطماع، وإنما بدافع تحريري؛ حيث تدعو الإنسانية إلى تحرير نفسها من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد, وسنحقق أهدافنا بوحدتنا وصمودنا, ولننظف فصائلنا من المنافقين الذين يشوهون سمعة ثورتنا المباركة, فلأنه عندما يصبح الوطن وعاء يحتوي كل الاختلافات فلابد أن يمر بكل مراحل الاندماج لتكوين مادة ذات مزيج متجانس؛ وربما هي الآن إحدى هذه المراحل, وإن ما يدفع المواطنين للطمأنينة هو تكوُّن تيار قوي وذو أهداف واضحة ومعلنة اتفق عليها مجموعة من أبناء هذا الوطن, هذه الأهداف تتعلق بمعنى هو في صميم قلوب هذا الشعب وهو الدين الذي كان سبب التوحد يوما ما حين أطفأ النعرات القبلية والعرقية, وأن هذه التجارب ليست إلا مرحلة غربلة لإخراج كل الشوائب وتحديد العناوين الرئيسة وإعادة النبش في كل الموروث الذي أصبح تقليدا حتى فقد معناه, سنبدأ في رؤية أخطائنا، سنشاهد كل نتائج إهمالنا؛ سيتضح كثير من الجزئيات التي كانت مرمية على أطراف الموضوع الرئيس فنمت وكبرت.