عندما تخلَع أخلاقك وترميها بعيداً كأنَّها حذاء بالٍ، عندما تتعامل مع أرواح البشر بالجمع والطرح، وعندما تعتقد أنَّك الحرُّ الوحيد والباقي عندك عبيد، حينها تستطيع أن تنادي بتجبُّرٍ وتصيح: أنا سياسيٌّ بينَ الشعوب مجيد.
هؤلاء هم ساسة كوكبنا الأزرق هذه الأيَّام، نسيج عنكبوت من كلامٍ يعقبه تطبيلٌ لإعلام، نعم فكلُّ واحدٍ منهم هو مهديٌّ للأنام.
حينما تتأمَّل خطاباتِ الحُكَّام ترى الإيمان يُشرْشر، وجوهٌ عليها مسحات السكينة تتكلَّم، تصحيحٌ ومحقٌ للصهاينة وتنميةٌ بشريَّةٌ في بلادهم تحدُث، غيرَ أنَّ الشعبَ لا يرتقي لأن يراها، إذ إنّهم عند الحكام ليسوا بعدُ أناساً، فقط إن طأطؤوا لهم رقاب الذلَّة يكونون، فيا بعدا لإنسانية ليست على العزة تقوم.
نعم أيُّها العربيّ، باستطاعتك أن تعيشَ بهدوء وأمان تحت إمرة حكَّامك، لكن بشرط جداً صغير وهو أن تجيد لعق الأحذية، ثُمَّ إذا اسْتَخْبرَتْ منكَ المخابراتُ عن طَعْمِها وصَفتَ العسل بلْ ما هو أطيب، حينها ستكون في أمان.
ألستَ ترى كوريا الشماليَّة شعباً فيما هم فيه؟ عبوديَّة تنقصها صلاةٌ لقيادتها الأبيَّة ولكن هم في هناء، بالله عليك قل لي: أليستْ أهنأ سلاماً من جارَتِها الجنوبيَّة؟
مهْ، فتلك الأقاويل ليستْ لنا، نحنُ شعبٌ ما عرفَ للضيم طعماً، وما استكانَ يوماً لسوطٍ أو غرَّته المعازيف، انتفضنا للربيع طوعاً، فانتُفِضنا نفضة الخريف غصباً، ورجعَ زمان الآهات يُلوّح، فلماذا تساقطت أوراق أحلامنا واحدةً واحدة حتَّى أمكن للأقدام أن تطأها؟ أقدامِ المجانين.
السبب أنَّنا قومٌ ننساق وراء التصديق، تصديق كلّ ما يقال أو يُتظاهَر به. سلَّمنا إرادتَنا لعاطفتنا الهوجاء، فضِعنا وأضعنا. رأينا لحىً تُغطّي البطونَ وعمائم يتيهُ النظر في تعاقيدِها فحسبنا أنَّ شيعة صلاحِ الدين قد انبعثت من مراقدها لتُحيينا، وإذ بنا ننقبرُ لنسكنَ مراقداً ما هيَ كالمراقد.
لم نرجعْ إلَّا بأُذنٍ قد بخشتها ألحان النطق والأكاذيب، لم نجد لهم ديدنا إلَّا التسويف والخذلان؛ ويحَ الطغاةَ لمَ عندنا يتحوَّلون إلى غزلان؟
تلك سنَّة الحياة، دوماً ما يستأنس الطغاة ببعضهمْ على حساب ضعفاء الأنام، حرَّضونا على الحقّ ثمّ خذلوا وراحوا يضربون لشعوبهم فينا الأمثال.
” انظروا مآلَ من ينادي بإسقاط العملاء، لنجعلَنَّ من الدماء أمطار السماء ” نسُوا أنَّ للمخذول دعوة، وأنَّ للظالم رجعة، لكنْ لم نلومهمْ ونحن المسؤولون؟
نعم نحن مسؤولون إذ لم نفهم معنى السياسة، لم نجعل من أنفسنا شركاء مصالح -إذ ننتصر -مع غيرنا، وإلَّا لمَ ينصرونا -والله النصير -؟ هم لن ينصروا إلَّا مصالحهم وإن لم نكن جزءاً منها فلسنا موجودينَ في قواميسهمْ؛ إنَّها السياسة.
سامحنا أيُّها العقل فقد ظلمناك على حساب العاطفة، سامحينا أيَّتها السماء فلقد نسينا أبوابك التي لا تُغلَق، سامحينا أيَّتها الأرض فلقد تصارعنَّا فيما بيننا عليكِ بدلاً من أن نتلاحم لأجلك، ليُسامحنا كلُّ شيء في هذا الوجود إلَّا حكَّام العرب الخاذلين فإنَّا ما كُنَّا لنسامحَهم.