لم يخطُر على بالي جابر أن تُصاب زوجته بفقدان البصر والشلل النصفي نتيجة انفجار قنبلة عنقودية من مخلفات القصف على الأراضي الزراعية في محيط مدينة اللطامنة، ولم يخطر على باله أن يستقر به الحال في تركيا بين عيادات العلاج الفيزيائي والمشافي التركية.
جابر شاب سوري لم يتجاوز 24 عامًا من سكان ريف حماة القريب من مدينة اللطامنة، تزوج قبل عام من “شيماء” وبعد شهر من زواجهم، وبسبب الفقر وشح العمل، اضطروا إلى اللجوء لساحات العمل (الأراضي الزراعية) حالهم كحال أقاربهم وأبناء بلدتهم والبلدات المجاورة.
شيماء التي تبلغ 17 عامًا تزوجت من جابر قبل عام، تقول: ” كان حلمي الاستقرار وتأسيس عائلة وحياة مُستقرة وسط ظروف الحرب الهوجاء الدائرة في البلد منذ ستة أعوام حتى الآن.”
في شهر العسل لم يعد السوريين يحلمون به، همّهم الوحيد العيش وتأمين لقمة الطعام، وهذا كان حال جابر وشيماء، ففي شهر عسلهما، كما هو متعارف عليه في أول شهر من الزواج، عمِلا في الأراضي الزراعية لتأمين المصروف ولقمة العيش، وبينما شيماء تقوم بالعمل واستخراج البطاطا من الأرض إذا بقنبلةٍ عنقودية تنفجر أمامها وأمام أخ زوجها الذي كان قريبًا منها، ليقوم جابر بإسعافها على الفور بإحدى سيارات الثوار التي لبّت نداء استغاثته على الطريق العام، وهنا بدأت رحلة العذاب للوصول إلى مشفى لإنقاذ شيماء من الموت.
شيماء بين الحياة والموت، أو هي الآن شبه ميته، فقد تم تحويلها من مشفى كفرزيتا إلى مشافي الشمال السوري بعد أن رفض استقبالها بسبب إصابتها الخطيرة، ومن سوء الحظ كانت المنطقة تشهد صراعات داخلية بين الفصائل الثورية، وجميع الطرق مغلقة ولا يسمح لأي سيارة بالمرور.
يقول جابر: ” لم أكن أتصور أني سأضطر للبكاء بسبب عجزي أمام الوصول إلى المشفى.” عجزه بسبب رفض الفصائل بالعبور من ريف المعرة إلى باب الهوى.
لم يقف مكتوف اليدين، بل صارع وقاوم بكل ما أُوتي من قوة، كي يُقنع الفصائل بعبور سيارة الإسعاف التي تقلّ شيماء المجهولة المصير، وبعد جهد جهيد استطاع الحصول على موافقة بالعبور وهدنة بين الفصائل (وحوش الحرب كما سماهم) لمدة ربع ساعة كانت كفيلة بإحياء الأمل لديه بإنقاذ شيماء من الموت، فبعد وصول السيارة إلى باب الهوى تم تحويل شيماء إلى مشفى الدولة في أنطاكيا لتدخل في غيبوبة مدة شهرين كأنها ميتة، وبعد إجراء أكثر من عشر عمليات جراحية تم تدارك الخطر عنها، لكن بسبب اختراق الشظايا رأسها فقدت حاسة البصر والصوت وجسدها يعاني من شلل نصفي، حيث بقيت طريحة الفراش لأكثر من عام، وبعد الخضوع لجلسات علاج فيزيائي، تستطيع الآن تحريك نصف جسدها بمساعدة جابر لها في كل شيء، وتستطيع الكلام بصوت منخفض.
يضيف جابر: ” لم أكن أحلم بهذا المصير أبدًا، فقرارنا بالذهاب للعمل لم يكن بشكل كيفيّ، إنما بسبب ظروف الحرب التي كانت أقوى من أحلامنا وآمالنا.”
جابر وشيماء قصة من قصص السوريين التي لم تنتهِ بعد، فقد سمعنا وقرأنا العديد منها، لكن هناك الكثير ممَّا لم يكشف عنه.