بقلم محمد درويش – أبو همّامانتهجت جماعة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها سبيل السلمية “ومبدأ اللاعنف” خلال العقود الأخيرة من أجل إحداث التغيير في المجتمعات والبنى السياسية، اعتبروا خلالها أنَّ تجارب العنف والثورة المسلحة لم تؤدِ إلى نتائج مُرضية، ولم تُحدث تقدماً أو تغييراً إيجابياً.وبعد أن استولى الجيش بقيادة السيسي على الحكم في مصر عنوة، ونجح الانقلاب في السيطرة على مفاصل البلاد، وإخضاع الجميع لجبروته وظلمه وزج الآلاف من الإخوان وغيرهم في السجون، بل والحكم على الكثير منهم بالإعدام والأحكام القاسية، وكسر إرادة الشرعية المتمثلة بالرئيس “محمد مرسي” وقتل الديمقراطية الوليدة التي طالما يتشدقون بها، وجدَ الكثيرون أنَّ آفاق التغيير لا يمكن أن تتم إلا بثورة مسلحة تقتلع الطغاة وجذور “الدولة العميقة” التي أنشأها العسكر ورسخوا مفاهيمها.فبدأ يدور خلاف داخل قيادة جماعة الاخوان، حول مسار مواجهة السلطات القمعية الحالية بالتصعيد والعنف والقصاص من القتلة، مقابل إصرار الآخرين على السلمية كوسيلة للتغيير، ما أدَّى إلى ظهور قيادتين للجماعة، كلٌّ منهما يعتبر نفسه صاحب “شرعية” لقيادة الجماعة والمسؤول عنها، ففي حين تعتبر القيادات القديمة للإخوان في مصر بأنَّ اللهجة التصاعدية واستخدام العنف أو حتى التهديد به ليس من فكر الإسلام ولا الإخوان في شيء، إلا أنَّ المكتب الجديد يعتبر أنَّ القيادات القديمة لا تشعر بنبض الشارع وما يحدث من قتل واغتصاب واعتقال وظلم.وليس ببعيد عن مخيلة الكثير من القيادات، ما أودى به العنف في البلدان المجاورة كسوريا والعراق وليبيا واليمن وما ألحقت الثورات المسلحة بهذه الدول، ففضلوا عدم الدخول في صراعات عسكرية “عنفية” قد تكلف البلاد الكثير من الأرواح وتجنبها الدمار، منوهين بأنَّ ما يقوم به نظام السيسي من عنف هو لإثارة الشباب المسلم ومحاولة لإخراج مارد “شباب الجماعة” من قمقم (السلمية) إلى فضاء (الثورية)، كي يسهل تبرير العنف الرسمي ضدهم، وبالتالي سهولة القضاء عليهم لعدم تعادل القوة العسكرية، وباعتبار أنَّ المعارضة السلمية أكثر تأثيراً على المستوى البعيد ويمكنها جلب تعاطف العالم مع قضيتهم في مواجهة الآلة العسكرية وعنف الشرطة.كما يعتبر دعاة السلمية بأنَّ ميزان القوى لصالح النظام بشكل كبير، فيؤيِّده في الداخل الجيش والأمن والقضاء والإعلام، وجزء كبير نسبياً من الشارع لاعتبارات عديدة (طائفية وحزبية ونتاج تضليل)، أمَّا في الخارج، فيجتمع العالم على دعمه بكل تناقضاته، مع استثناءات محدودة لا تؤثر عليه بشكل كبير.وبالمقابل خرج جيل مقهور “خاصة من الشباب”، يرى شباباً ثائراً يتظاهر أمام المجرمين بالشوارع، فلا يتوانون هؤلاء عن قتلهم بالرصاص الحي، فراحوا يدعون بأنَّ تكون للثورة شوكة وقوة وقدرة على ردع الخصم وإنهاكه، بما يعطل أدواته التي يقتل بها “من معدات وآلات وأشخاص” بعد ثبوت جرائم القتلة وجناياتهم الموجبة للقصاص.واستشهدوا بآيات وأحاديث وأعمال ومواقف للجماعة منذ نشأتها، تنسف بشكل واضح نظرية وقاعدة ثبات السلمية، مستدلين على ذلك بأحد مبادئ الإخوان وهي “الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، وكلام ذكره الإمام البنا في عدة مواضع ركَّز فيه على “قوة الساعد والسلاح”، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة)، و(الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة).فيما أوضح وقيّد بعض قياديي هذا الاتجاه “العنفي” إلى إقرار منهج “المقاومة المنضبطة بالقواعد الشرعية، والتي تعظّم من حُرمة الدماء البريئة، مع الحق في الدفاع عن النفس ودفع الضرر، كما أكَّد محمد منتصر المتحدث الرسمي باسم الجماعة: أنَّ الجماعة طورت هياكلها وآليات عملها “لتتناسب مع العمل الثوري للقضاء على الانقلاب”.وأنكر أصحاب هذا التيار على جماعة السلمية ما يقولونه، طالما شعار الإخوان هو: “وأعدوا ” ومصحف تحته سيفان، فهي إشارة من واضعيه إلى قوة الساعد والسلاح التي تحمي الحق وتردع منتهكيه، ليبقى الجدل قائماً طالما كان هناك شباب وكهول، ومقدام وحَذِر، وعمر وعثمان.