بقلم عبد الرحمن الرحمون
إنَّ العديد من العامة يتحدثون عن المسار السياسي بمعزل عن المسار العسكري، مع أنَّ هناك ترابطا عضويا بين المسارين السياسي والعسكري لا يمكن الفصل بينهما.
ومن هنا نرى التقدم العسكري الذي حازه النظام السوري على الأراضي السورية بمساعدة الميليشيات الإيرانية والقوى الروسية وغيرها، ولكنَّ الطرف الآخر ألا وهو المعارضة التي تعاني من خذلان العالم لها كابتعاد الدول الكبرى أمثال الولايات المتحدة الأمريكية التي زجَّت الثورة السورية في النيران المتلظية، ولطالما ابتعدت عنها وسلطت الأضواء والأنظار عليها من بعيد.
ونرى المعارضة أيضا تعاني من الحصار والصدود التركي_ إن صح التعبير_ والذي وصل إلى إيقاف تدفق اللاجئين نحو البلاد الأوروبية مرورا بتركيا.
بينما وصل عدد المحاصرين السوريين إلى مليون و أكثر في البلاد السورية، وبالتالي نرى النتائج العسكرية و المفاوضات السياسية و الحصار الحدودي قد أنجب لنا ما يسمى (جنيف 3)فنحن عندما نصف المرحلة شبه الأخيرة للأزمة السورية بأنَّها المرحلة العسكرية الحاسمة، فإنَّنا نقول: هي تصعيد عسكري وليس حلا عسكريا، ونرى دائما أنَّ الحل عسكري يكون في خاتمته ملامسات سياسية واتفاقيات نظرية لا استغناء عنها.
وعندما نتحدث عن الحسم العسكري الاستراتيجي فنحن لا نعني به الاستيلاء على الأرض،
ولكن الحسم العسكري الاستراتيجي يكون بتغيير قواعد اللعبة، وهذا يؤدي إلى تحديث قواعد المفاوضات.
وفي أوج هذه المرحلة نرى القوى الروسية التي تزعمها بوتين قد رأى أمثال أوباما قد سلمه المسألة السورية مقدمة إليه على طبق من ذهب؛ فأراد أن يقلب الطاولة على المتفاوضين في جنيف 3
ويقول لهم: إنَّ ما تفعلونه لا جدوى منه، وسأجبر الجميع على تقدم عسكري،
ونعلم جميعا أنَّ القوى الروسية بمشاركة النظام السوري في الأشهر الثلاثة الأولى لم يستطيعوا التقدم على الأراضي السورية، فاضطروا بعد ذلك إلى إحضار الآلاف تحت المظلة الإيرانية لتقوم بمهمة الاندفاع الأخير، واستغلوا الحالة المأساوية لدى المعارضة، وظنُّوا أنَّها ستقعد للتفاوض الذي يريدونه، و إجبارها على الحل السياسي، و تقديم تنازلات جوهرية في جنيف،
وإنَّ ذلك لا يكون برأي الروسي محقَّقا إلا بعد أن يسيطر على الأرض، ممَّا اضطر الروس إلى أن يغيروا تكتيكاتهم بدلا من إعادة تشكيل الجيش السوري مرة أخرى، وهذا ما كان سيحدث بالفعل.فلو تمعنا جيدا في الأيام الماضية، نرى أنَّه قد استطاعت القوى الروسية مع النظام السوري وحلفائه تغيير الاولويات؛ فالأولويات الآن لم تعد تريد مصير الأسد بل، إنَّها تريد وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا يؤدي إلى تشكيل الحكومة الجديدة المؤقتة بعد ذلك كله.
وما يحدث الآن هو حسم استراتيجي ومحاولة كبيرة لإجبار قوى المعارضة على القبول بمعادلة جديدة، وهذا ما ستمخض عمَّا سيقرره اجتماع جنيف 3ولو نظرنا إلى مطالب المعارضة الوطنية، لرأينا أنَّها أرادت مطالب عالية أﻻ وهي إزالة الأسد عن الساحة السورية، وكذلك إعمار سورية الجديدة، وتشكيل حكومة وطنية جديدة، وهذا حق أحق أن يدعى إليه.
ولكن وضع المعارضة الميداني خطير للغاية، لأنَّه لا يمكن أن ترفع سقف مطالبك عندما يكون وضعك على الأرض سيء جدا، ومن هنا نسأل المعارضة: كيف تستطيع تغيير هذه المعادلة؟!
ولكن من جهة أخرى، فلننظر إلى المقاومة السورية المعارضة كيف استطاعت أن تصمد أمام ثاني أكبر جيش في العالم، والذي ألحق بميليشيات إيران وحزب الله وأبي الفضل العباس؟!
ومع ذلك كله لم يستطع النظام وأعوانه أن يحققوا شيئا أمام ما قدموه من ضربات جوية وغيرها، ممَّا اضطرت روسيا كما تحدثنا سابقا إلى محاولة قلب الطاولة على رأسها، وتغيير أصول اللعبة السياسية، وحفظ ما تبقى من ماء وجهها أمام العالم وأمام شعبها وجيشها كذلك.
فماذا ولدوا لنا؟ إنَّه جنيف 3!!