طلال شوار
ما يزال المعتقل يعتقد بأنَّ المظاهرات تجوب الشوارع رافعة راية الحرية، وما يزال في كلِّ أسبوع يحاول أن يستقرئ اسم الجمعة المقبلة، وما يزال يتخيل ضحكات رفاق التظاهر ويستحضر صديقاً له وهو يودعه بابتسامة صفراء قبل أن يرتقي شهيداً على سلم المجد.
وما تزال محفورة في تلافيف ذاكرته جنازته التي أشعلها الرفاق مظاهرة تندد بالمجرمين، وعلى فطرته الثورية ما يزال المعتقل يترقب انخراط دمشق وحلب في المظاهرات وتضج بداخله هتافات أبنائها التي تجتاح ساحاتها الرئيسية.
يتساءل المعتقل: لكن أين هم؟! لماذا تأخروا؟! ما يزال وثاقي في يدي أكابده ويزدريني.
لم يدرِ المعتقل بأنَّ رفاق التظاهر قد غيبتهم يد التآمر والتخاذل والخيانة، وقذفت بهم إلى ما وراء الحدود، ولم يدرِ المعتقل أنَّ المتسلقين والانتهازيين قد ركبوا الموجة واعتلوا صهوة الثورة وقادوها إلى معتقل يشبه معتقله ولا يشابهه، كما لم يدرِ المعتقل أنَّ كلَّ مجرمي الأرض قد عبثوا بثورته وبذروا في أرضها ألف خائن وخائن فغطتها غابات التقهقر والانحسار.
من يخبر المعتقل بأنَّه صار آخر همهم، وأنَّه لم يعد يساوي لديهم حفنة من المال يختلسونها أو سهرة في ملهى مع مومس يقضونها، ومن يخبر المعتقل بأنَّه لم يعد سوى مادة غنية للنصب والاختيال باسم عذاباته وقهره، ومن يخبر ذلك الجبل الأشم بأنَّه ما عاد ذلك الرقم الصعب في معادلة الحرية.
من يعتذر للمعتقل عن جراحه وكلِّ آلامه وحرمانه؟ من يعتذر للمعتقل عن أحلامه التي داسها المتنطعون وفرَّط بها المتسلقون العابثون؟ من يعتذر للمعتقل عن الثواني التي حَفرت على جدار روحه لوحات من القهر والعذاب؟
قولوا لذاك المعتقل: إنَّه ما يزال حيا بأوجاعه وصرخاته، لكن فقط في وجدان أولئك الشرفاء المعتقلين داخل أرواحهم، المصادرة أصواتهم، أبناء الثورة الحقيقيين وروادها الأوائل.