من السهل جداً ممارسة هواية أطلاق الأحكام على الآخرين أو اتخاذ القرارات بدلاً عنهم، هذه السهولة يحكمها في الغالب أمران لا نراهما عندما نبدأ بالتحذلق حول الناس سواءً كانوا أناساً عاديين مثلنا، أم أشخاصاً بموضع المسؤولية في عالم السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع، ونطلق عبارتنا الشهيرة علناً أو في داخلنا: “كم هم سذج لأنهم لم يفعلوا أو يقرروا ذلك الأمر الواضح جداً! كم هو أحمق لأنه لم يفعل هذا! يا إلهي إن الأمر واضح، كم هو غبي!”
الأمران من البدهيات في اتخاذ المواقف والقرارات: الأول هو معرفة الظروف الكاملة لأي موقف أو قرار أو خطاب دفعت صاحبه باتجاه معين، والثاني: معرفة المتغيرات التي قد تترتب على موقف أو قرار أو خطاب معين، الظروف المتمثلة بما هو قائم من التحديات والخبرة والمعلومات، والمتغيرات المتعلقة بما يمكن أن يحدث، والأمران خاصةً في القضايا الكبرى، من الصعب جداً التنبؤ بهما والوصول إلى معرفة كاملة حولهما دون أن نكون مشاركين في خضم الحدث بكل تفاصيله قبل تصدير نصائحنا ووجهات نظرنا الفريدة وكأنها “فصل الخطاب!”. بل إن أصحاب المسؤولية أنفسهم لو استطاعوا الإحاطة بجميع المعلومات والمتغيرات المتعلقة بما يتصدون له من مهام ومواقف في حياتهم لما وقعوا في الخطأ بنسبة كبيرة.
هذا الأمر لا يعني أن نتوقف عن الانتقاد والإدلاء برأينا، خاصةً في الشأن العام، ولكن يعني أننا نحتاج وقتاً وجهداً قبل ذلك، علينا ألَّا نتعجل في تسطيح آراء الآخرين ومواقفهم بإنشائية لا تستند إلى أي خبرة أو معرفة متعمقة أو حتّى تأملٍ كافٍ على أقل تقدير، أن نبذل جهداً في تفهم المواقف قبل ادعاء فهمها وتقديم خبرتنا المجانية تجاهها.
أمّا في الشؤون الخاصة والشخصية للآخرين، فيفضل أن نحتفظ برأينا لأنفسنا ونلتزم أسلوب النصح فقط، دون حشر أنوفنا في أقدارهم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي