جولة أخرى من القصف الهمجي تتعرض لها المدينة بشرقها وغربها، كما في الربيع الماضي، فإن صفاء السماء هو موسم للموت أكثر منه موسماً لتفتح الزهور . العديد من البراميل والصواريخ والقذائف سقطت على مختلف أنحاء المدينة لتستمر في رسم لوحة حمراء مازال العالم يقف أمامها بانشداه، يرقب تفاصيلها كالتماثيل وهو يحاول أن يتماهى مع راسمها بكل ما في هذا العالم من جريمة ووضاعة .ويعيد في كلّ مرّة الطلب من الضحية ألّا تقف أمام سوط الجلاد، لكي لا يتأذى السوط بدماء ضحاياه ولكي لا يضطر العالم إلى إعادة التنديد بهذا الموقف من العدوان المتبادل بين السوط والضحية على حدّ تعبير إحدى صحفه العالمية .لم يعد يهتم السوريون للموت وجولاته الخاسرة مهما بلغ ألمها، لقد أيقنوا حقيقة أنهم يحاربون من أجل قيمة قد فقدتها الإنسانية جمعاء، يحاربون ليستطيعوا إنقاذ العالم من وحشيته وظلامه الحالك، ويوقنون بنصر قريبلم يعد النزوح هو ما يفكرون به عند اشتداد الموت، بل صارت كل الذكريات الجميلة التي يرغبون في حملها عن بعضهم هو ما يشغلهم، صور الشهداء ، لون دمائهم ، ابتساماتهم الأخيرة ، كيف يدفنون بوقار ، دموع فراقهم ، أطفالهم الذين يتفرجون عليهم نائمين ، والآهات التي تشعل الصدور جمراً يرفض أن ينطفئ حتى يتحقق ما كان يحلم به من ترجلوا .كل ما سيبقى عند جيل قادم مع الشمس هو هذه الذكريات وأمانة عظمى بأن يُبنى الوطن . المدير العام / أحمد وديع العبسي