تستمر الصحافة الغربية بكشف ما يتوفر من معلومات عن المرتزقة الروس الذين تجندهم موسكو للقتال في سورية، فلم تكتفِ بتمويل الجيوش الإلكترونية لتزوير الحقائق ونشر الأكاذيب عن الثورة السورية فحسب، بل عمدت إلى الاستعانة بجيوش المرتزقة الذين يتقاضون مبالغ طائلة لقاء القتال في سورية، كما تشتري صمت ذويهم بمبالغ أكبر بكثير، كل هذا كي تخفي المدى الحقيقي لغرقها في المستنقع السوري، هذا ما يتحدث عنه المقال التالي في صحيفة التايمز البريطانية.
يُعتقد أنَّ آلاف الروس قاتلوا في سورية كعناصر في شركة غامضة للمرتزقة، ممَّا سمح للكرملين تخفيض أعداد قتلاه من الجنود النظاميين.
فأفراد الشركة العسكرية الخاصة التي تدعى ووغنر قاتلوا جنباً إلى جنب مع قوات بوتين ضد أعداء الرئيس بشار الأسد، وقُتِل ما لا يقل عن 150 منهم أثناء خدمتهم في الجيش السري “الجيش الشبح”، لكن أقارب هؤلاء القتلى أو المفقودين أثناء العمليات بدأوا بالشكوى من مصيرهم الغامض.
يوجد ما بين 1500 إلى 2000 مرتزقا روسيا، أي ما يقارب نصف كتيبة من الجيش الروسي الموجودة في سورية، يعتقد أنَّهم يقاتلون في الجبهات الأمامية مُذ أعلن بوتين انطلاق عملياته العسكرية في سورية سنة 2015 في شهر أيلول.
أدَّت ووغنر دوراً رئيسياً في المعارك ضد الدولة الإسلامية وأعداء الأسد، وهي تعمل تحت مظلة القوات الروسية، رغم أنَّ وجود ووغنر غير معترف به من قبل وزارة الدفاع الروسية، التي تتكتم على عملياتها.
قال (رسلان لفيف) الناشط الروسي من موسكو الذي أجرى تحقيقات حول هذا الموضوع: “الهدف من هذه القوات هو أن تعمل كقوة روسية برية رئيسة إلى جانب القوات الحكومية السورية، ممَّا يسمح للجيش الروسي تقليل خسائره”.
وأعلن بوتين هذا الشهر أنَّ روسيا بصدد تقليص أعداد قواتها في سورية، بعد انتهاء عملياتهم مع قوات بشار الأسد التي أسفرت عن “هزيمة منكرة للإرهابيين”.
وقال السيد لفيف، الذي يرأس مركزاً يدعى فريق مراقبة الحرب: “لقد استخدمت ووغنر كي تتمكن روسيا من القول للغرب، انظروا حملتنا ناجحة، انظروا كيف أنَّ أعداد قتلانا قليلة بالمقارنة مع حملاتكم على العراق وأفغانستان”.
رسمياً لم يُقتَل سوى عشرات من الجنود الروس في الحرب، لكن السيد لفيف وآخرون جمعوا معاً أدلة على خسائر ووغنر من خلال متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال التحدث إلى أقارب القتلى وكذلك من خلال الحصول على وثاق مسربة.
فغالبا ما يتم إقناع عائلات المرتزقة القتلى من أفراد ووغنر بالتزام الصمت، حيث تُقَدّم لهم تعويضات سخية تصل إلى ثلاثة ملايين روبل أي ما يعادل 38000 جنيه استرليني (51000 دولارا أمريكيا)، ومع ذلك يتحدث القليل منهم يائساً، بسبب شح المعلومات المقدمة لهم عن مصير أقربائهم أو بسبب تنافض هذه المعلومات.
والدا جورجي تسوركانو المقاتل القديم عمره 38 سنة، رويا قصتهما في لقاء مع تلفزيون دوزت المستقل، فقد ظهر تسوركانو ومقاتل آخر من ووغنر اسمه رومان زبولونتي وآثار الكدمات واضحة على وجوههم في فيديو لداعش نهاية شهر تشرين الأول، يقولان فيه أنَّهما أسرا، وبعدها لم يسمع أحد عنهما شيئاً.
وقال والدا تسوركانو: إنَّ الضبَّاط بقوا في بيتهم أسبوعين بعد نشر الفيديو، وقالوا لهما إنَّهم بحاجة “للحماية” ومنعوا عنهم الصحفيين.
والآن هم يعتقدون أنَّ هذا كان حيلة لمنعهم من خلق ضجة، ولم تستجب وزارة الدفاع لمناشدة الوالدين تحديد موقع ابنهما، وأخبرهما ممثل شركة ووغنر أنَّ ابنهما قد قتل دون تقديم تفاصيل أخرى، وهم يأملون أن يكون على قيد الحياة، وقال والد تسوركانو لقناة دوزت: “كنت ساذجاً، لقد عشت كلَّ حياتي ساذجاً أصدِّق الناس، أمَّا الآن فلا أصدّق أحداً، لقد قال بوتين مرةً: “لن نتخلى عن الروس”، وصدقته، الآن عرفت أنَّه كاذب، تباً له ولووغنر ولهم جميعاً”.
وفي حالة أخرى اتصلت أخت تامرلان كازمازوف المقاتل مع ووغنر الذي فُقِد نهاية شهر أيلول وعمره 29 عاماً، بالسيد لفيف.
فبعد شهرين دون تلقي أي معلومات عن أخيها ذهبت إلى معسكر تدريب ووغنر في مولكينو في منطقة كراسنودار جنوب روسيا، قال خبراء عسكريون لها إنَّه قريب من قاعدة روسية لتدريب القوات الخاصة، وقيل لها إنَّ أخيها قُتل في سورية وإنَّ داعش أحرقت جثته، ولم يخبروها أين قتل أو في أي معركة، وقالت: “بدا الأمر كأنَّهم يفعلون أيَّ شيء للتخلص منَّا، أعتقد أنَّه اختفى دون أثر، وعندما بدأنا بإزعاجهم كان الأسهل لهم أن يقولوا إنَّه قُتل”.
وقدمت الشركة لعائلة كازمازوف تعويضاً وكفناً فارغاً من التوتياء، لكنَّهم رفضوا ذلك بغضب وامتعاض.
وكان ديمتري أوتكين الضابط السابق في القوات الروسية الخاصة قد أسس ووغنر، وهو في أواخر الأربعينات ويقال إنَّه مهتم بألمانيا النازية.
ومع أنَّ القتال كمرتزق غير قانوني في روسيا، إلا أنَّ شركة ووغنر عملت بموافقة من الكرملين، ولم يذكر بوتين الملابسات عندما أقام حفلا تكريمياً الثلاثاء الماضي لستمائة جندي ممَّن قاتلوا في سورية، أتكين الذي ولد في كيروفوهراد في أوكرانيا، التقطت له صورة في مأدبة مع بوتين في الكرملين منذ سنة.
وكشف دينس كورماتوف الشرطي السابق الكثير عن ووغنر، حيث نقل الكثير من المعلومات لموقع فونتانكا الإلكتروني ومقره في مدينة سانت بطرس بيرغ، ومصدره كما يقول المرتزقة في سورية، حيث يُعطون بنادق هجومية صُنِعت في كوريا الشمالية، وفي الحقبة السوفيتية مثل رشاشات من نوع أر بي 46(ديكتاروف)، كما تم تجهيز ووغنر بدبابات تي 72 ومدافع هاوتزر عيار 122مم من الجيش السوري.
ويتقاضى المرتزقة ما يزيد على 240000 روبل أي ما يعادل 4000 دولار شهريا، حسب الرتبة وحسب حدة الاشتباكات التي يخوضونها.
والعديد منهم عسكريون سابقون أو خدموا كمتطوعين مع الانفصاليين المؤيدين لروسيا في شرق أوكرانيا.
بوتين الذي يعتبر قائد القوات الروسية أنكر أنَّ لديه جنودا نظاميين تدخلوا في منطقة دونباس الأوكرانية، لكنَّه اعترف أنَّ متطوعين عسكريين ذهبوا إلى هناك من روسيا، معللا أنَّه “نداء القلب”، وقال: إنَّهم لم يكونوا مرتزقة؛ لأنَّه لم يدفعهم أحد.
وتضاءل مستوى التنسيق مع الجيش الروسي في سورية، فقد وصل بعض المقاتلين إلى منطقة القتال عبر رحلات وزارة الدفاع الروسية كمسافرين، بينما وصل آخرون عبر شركات طيران تجارية إلى دمشق، وبعد تسليم هؤلاء المقاتلين للقاعدة الروسية الدائمة في حميميم يتم نقلهم بالحوامات إلى الجبهات.
وقال كورماتيف في مقابلة هاتفية: إنَّه يعتقد أنَّ ووغنر تقاتل “مع الجانب المحق” ضد المتشددين في سورية، لكن وضعها غير الواضح ليس مقبولا، ” فالاشتراك المباشر في المعارك من صلاحيات الدولة، لكن عندما تشن شركة الحرب دون سلسلة واضحة من القيادة والسيطرة ودون مهام واضحة ودون سلطات واضحة، فأعتقد بكل تأكيد أنَّ هذا ليس لائقا البتة”.
وقالت الحكومة الروسية: إنَّها ستُبقي على قواتها في قاعدة حميميم وقاعدتها البحرية في طرطوس، رغم إعلانها الانتصار على داعش، ويقول السيد كورماتوف: ” من الصعب الجزم بالدور الذي ستلعبه ووغنر في المرحلة القادمة، تماماً كصعوبة التنبؤ بما سيؤول إليه الوضع في سورية”.
الكاتب: توم بارفيت
رابط المقال الأصلي: