راوية عبد الرحمن
تعتبر مرحلة المراهقة من المراحل العمرية الحساسة لما تشهده من تقلبات من النواحي الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية، فتجعل الفرد غير مستقر، وقد تسبب له جملة من الاضطرابات التي تترك أثرها الكبير في بقية حياته.
لا بدَّ من اﻹشارة قبل كل شيء إلى أنَّ السبب الذي يكمن وراء اختلاف حاجات المراهقين عن غيرهم هو التغيرات النمائية التي طرأت على أجسادهم، والتي أثرت في علاقاتهم الاجتماعية وأحدثت تغييرات نفسية فيهم، وإنَّ الدخول في مرحلة عمرية جديدة يتطلب احتياجات جديدة مختلفة يؤدي عدم إشباعها إلى نتائج سلبية وانعكاسات مضرة بالشخصية وعرقلة لعملية النمو، وسنحاول في هذا المقال أن نلقي الضوء على أهم حاجات المراهقين، ومنها:
1-الحاجة إلى المكانة الأسرية والاجتماعية اللائقة:
إنَّ حاجة الناشئة في فترة المراهقة إلى المكانة في الأسرة والمجتمع من أهم احتياجاتهم النمائية، فالمراهق شديد التأكيد على أنَّه لم يعد طفلا ومن حقه أن يكون له رأي وكلمة، وأنَّه يستحق امتيازات الكبار والراشدين، كما أنَّ المراهق يبحث عن مكانة له ضمن جماعة ممَّن هم في أسنانه، وننبه هنا على خطورة لجوئه في حين لم يحتو من قبل أسرته إلى محاكاة أنماط سلوكية سيئة كالتدخين وتعاطي المخدرات وغير ذلك من الانحرافات، فعلى الوالدين والمربين ألا يعاملوا الناشئة على أنَّهم ما زالوا في طور الطفولة، بل يجب معاملتهم بالنظر إلى التغييرات النمائية الطارئة عليهم واحترامها واﻷخذ بمتطلباتها بعين الاعتبار.
2-الحاجة إلى الاستقلالية:
إنَّ شعور المراهقين بأنَّهم قد دخلوا في سنِّ الرشد يجعلهم يندفعون إلى التخلي عن مساعدة والديهم، ويرغبون في تحقيق أي شكل من أشكال الاستقلالية، فتراهم ينزعجون من التدخلات في حياتهم الخاصة كقصة الشعر واختيار الملابس، ويطالبون بأشياء خاصة بهم وبغرفة مستقلة لهم، ﻷنَّهم يكونون مدركين أنَّهم قادرون على القيام بأعمالهم وحدهم. مع التنبيه على عدم تكليفهم بأعمال تفوق طاقاتهم العقلية والجسدية، ﻷنَّها ستعطي في هذه الحالة نتائج سلبية على المراهق وستشعره بالعجز وعدم القدرة على إشباع حاجة الاستقلال وستشكل لديه اﻹحباط والصراعات الداخلية، وقد يرتكب أفعالا سلوكية خاطئة كردة فعل انتقامية من الذين وقفوا في وجه حاجة الاستقلال.
3-الحاجة إلى اﻷمانين الداخلي والخارجي:
ويكون اﻷمن الداخلي بتجنب الصراعات الداخلية وعدم الاستقرار النفسي، ويكون اﻷمن الخارجي للشخصية بتجنب جميع المنغصات الخارجية التي تهدد النمو العقلي والنفسي والاجتماعي، والحاجة إلى اﻷمان يعني بالمفهوم العام تجنب اﻷخطار واﻵلام وطلب الراحة والاسترخاء والحياة اﻷسرية السعيدة، والحماية ممَّا من شأنه أن يقف حائلا أمام إشباع الدوافع وإن فقدان هذه الحاجة يعرض المراهق إلى تهديد نموه وإصابته بالخوف والقلق المستمرين.
4-الحاجة إلى التعبير عن الرأي والفكر:
إنَّ نمو القدرات العقلية يفرض على المراهق حياة جديدة فيها حاجات تتصل بها، ومن ذلك حاجته إلى اﻹبداع والتعبير عن آرائه وأفكاره ومشاعره، والاهتمام بالكشف عن الحقائق في الحياة والعلاقات في المجتمع لتقديمها للآخرين، ويسعى المراهق في هذه المرحلة إلى التعرف على القوانين التي تنظم الحياة والحصول على خبرات جديدة في كافة مجالات الحياة وتحقيق التقدم في المجال الذي يرغبه.
ويرغب المراهق في التعبير عمَّا اكتشفه بنفسه وعن رأيه فيما قرأ وعن اﻷفكار الجديدة التي توصل إليها. وعلى المربين أن يفسحوا المجال لهذه القدرات العظيمة لتسير في نموها الطبيعي إلى اﻹبداع، ﻷنَّ حبسها سيؤدي إلى اضطرابات نفسية تسبب في تراجع التحصيل العلمي وظهور سلوكيات تدل على تراجع في القدرات العقلية.
5-الحاجة إلى إثبات الذات:
تنشأ عند المراهق حاجته إلى معرفة ذاته وإثباتها بعد وعيه بقدراته العقلية والجسدية والاجتماعية، فيسعى إلى تحقيق إنجازات مختلفة ويعمل على توجيه ذاته بما يتناسب مع قدراته ويتجنب كل طريق يعيقه، ويسعى إلى الانتماء إلى جماعة للحصول على مكانة اجتماعية كما سبق وذكرنا.
6-الحاجة إلى الجنس اﻵخر:
وتعود هذه الحاجة إلى النضج الجسدي والجنسي، وإنَّ ظهور هذه الحاجة من جهة واستقرار الحواجز الاجتماعية والأخلاقية تجعل المراهق يشعر في البداية بعدم التوازن النفسي، وقد ينعكس ذلك على جوانب الشخصية ونموها العقلي والاجتماعي وظهور اضطرابات عصبية.
ولذلك فإنَّ للتربية الدينية واﻷخلاقية في مرحلة الطفولة دورا كبيرا في ضبط هذه الحاجة وضبط الانفعالات والتوترات من خلال الممارسات الاجتماعية واﻷنشطة المدرسية.
وهنا يتوجب على المربين مراعاة هذه المرحلة وضرورة بث الوعي الديني واﻷخلاقي وعدم فسح المجال لمقدمات اﻹشباع بالطرق المحرمة كالاختلاط بين الجنسين وغير ذلك من المحرمات، وضرورة التنبيه على خطورة الزواج المتأخر الذي يمثل حرمانا كبيرا لهذه الحاجة.
وخلاصة القول: إنَّ حاجات المراهقين وطرق التعامل معها تحدد شخصية الفرد ومنحاه السلوكي في المستقبل، ولذلك فإنَّ على التربوين والمرشدين والوالدين أن يتنبهوا إليها ويتعاملوا معها بطرق علمية، لئلا تشبع بطرق غير صحيحة فيؤدي ذلك إلى سوء التكيف والصراعات التي تؤثر في حياة المراهق.