منيرة حمزة |
من تابع وراقب إعلام النظام السوري عند تغطيته للمظاهرات والاحتجاجات في فرنسا التي باتت تعرف باسم (أصحاب السترات الصفراء) يستغرب من طريقة تناوله للأحداث وكمية التعاطف الواضح تجاه الشعب والوقوف معه في احتجاجاته ضد سياسات الرئيس الفرنسي “ماكرون” بعدما كانت رداً على زيادة الضرائب وتردي الوضع الاقتصادي لدى المحتجين، ليصبح حال إعلام النظام أقبح من العاهرة حينما تحاضر بالعفة والشرف.
إعلام النظام نفسه الذي يرصد مظاهرات فرنسا أُصيب بالعمى حيال مظاهرات سورية سنة 2011 التي خرجت بالآلاف في ساحات حماة وحمص وإدلب ودرعا وغالبية المحافظات السورية، بل دأب على نكرانها ودحضها.
يبدو أن النظام السوري وجد باحتجاجات فرنسا فرصته للانتقام ممَّن حرض الشعب ضده سواء من قِبل فرنسا أو أي دولة كانت، فما يهمه هو أن الخراب سيعم الجميع، ليبدأ من خلال إعلامه بإرسال رسائل مباشرة للداخل والخارج مفادها أن دولة أوربية عظمى مثل فرنسا تمر الآن بأقوى عاصفة سياسية قادمة من الشارع الفرنسي قد تُحدث تغيراً جوهريًا ربما يصل إلى رأس السلطة الحاكمة التي وقفت ضد نظام الأسد وشجعت ثورات الربيع العربي منذ انطلاقتها، كأنه يقول: وصلت نسائم الربيع العربي الذي اشعلتموه إلى بلادكم فانظروا ماذا أنتم فاعلون.
لكن نقل الأحداث كان بعيدًا عن الحقيقة تماماً، وفيها الكثير من التشفي والانتقام الشخصي والشماتة وتمنّي الخراب لفرنسا بناءً على أحقاد وانتقامات لا تمتّ بصلة للمصداقية والمهنية الإعلامية، فبدأ بتصدير صورة للحياة الآمنة والمطمئنة التي تنعم بها دمشق تحت حكم الأسد! ويقارن بينها وبين باريس التي تأكلها ألسنة النيران المضرمة في شوارعها حقيقية ومجازاً، وأعدَّ لذلك البرامج الحوارية، واستقبل المحللين والسياسيين، كأنه أنهى مشاكله ولم يبقَ لديه سوى التنظير والتحليل لما سيحدث في باريس في الأيام القادمة.
إن إعلام النظام بكامل أجندته لم يرَ مظاهرات الورود في داريا بالقرب من دمشق، لكنه استطاع أن يرى متظاهري فرنسا في القارة العجوز!! بل إنه غضَّ الطرف عن الكثير من المجازر والجرائم والأحداث المرعبة، ولم يأتِ على ذكرها وتمسك بنظرية النكران والكذب والتشكيك والفبركة حيال ما يُعرض على شاشات التلفزة الأخرى فاتهمها بالتزوير والتلفيق تنفيذًا لقول رأس النظام: “اكذب اكذب حتى تصدق”
ليصل الكذب في ذلك الوقت إلى خروج مذيعة في القناة الإخبارية السورية تؤكد خروج بعض الأهالي في حي الميدان لشكر الله على نزول المطر، مُشيرة إلى أن القنوات المغرضة استغلت هذا المشهد ووصفت التجمع بالتظاهر!!
عرفتم الآن أين كان إعلام النظام آنذاك؟! كان مشغولاً بصد الهجمة الكونية على سورية ودحض الفبركات والأكاذيب التي ادعت وجود متظاهرين ضد النظام، وأن هذه الحشود المؤلفة من الجماهير في ساحات المدن ماهي إلا مجسمات مصنوعة في قطر، وأنها تخضع للمعالجة على أجهزة الكمبيوتر لتبدو بهذا الحجم حسبما قاله أحد أبواق النظام.
أما في فرنسا فقد أعطت الحكومة تصاريح لخروج المظاهرات في كل مكان، وسمحت بحرية التعبير، وقدّمت التنازلات، ودعت للحوار والتفاوض، وأبدت ليونة ومرونة تامة لسماع المطالب ودراستها وتحقيقها.
وهذا مالم يعطه النظام السوري للشعب، ولم يسمح به بتاتاً، حتى القمع الذي تحدثت عنه وسائل إعلام النظام السوري حيال ما يجري في فرنسا ما هو إلا تصدٍّ بطريقة قانونية لمجموعات التخريب والمندسين في صفوف المتظاهرين الذين يقومون بتكسير المحلات ونهبها وسرقتها وإشعال الحرائق بالسيارات والتعدي على قوات حفظ الأمن بكافة الوسائل العنيفة.
في حين أظهر السوريون وعياً كبيراً بالتظاهر السلمي ومصلحة البلاد، وهو ما كان في شرعية النظام حراماً عليهم وحلالاً لغيرهم!