عبد الملك قرة محمد
يعدُّ التحدي التعليمي أحدَ أهمّ التحديات التي تواجهُ وتوجِّه مسارَ الثورة التي لم تقم ضدَّ الاستبداد فحسب، بل قامت ضدَّ الفقرِ وضدَّ السببِ الذي حرمَ الناسَ حريَّتهم وحوَّلهم إلى أخشابٍ تصمتُ عن حقوقِها ألا وهو الجّهل …. الجهلُ بكلِّ مفاهيمِه ودلالاتِه.
وفي الحربِ كانَ التعليمُ أكثر المتضرّرين والضحيّة الأكبر والشاهد الأول على إجرام الأسد واستهدافِه للمؤسساتِ المدنيّة في مشهدٍ مأساويّ دمويّ مليءٍ بالدمار والدماء والدموع ارتقى فيه حملة اليراعِ من الطلّابِ والمعلمينَ في صفوفٍ حوّلتها آلاتُ التدميرِ الأسديّة إلى غبارٍ تذرُوه الرياحُ ليروي للأجيالِ القادمةِ قصصَ الصّمودِ والإصرار.
ريفُ حلبَ الغربيّ ذاق من إجرامِ النظامِ ما ذاق، فدمرتِ الطائرات الحربيّة الروسيّة والسوريّة المدارسَ، وقَصفتِ الجامعاتِ التي اُفتتحت مؤخراً، وغدا التعليم درباً شديدَ الوعورةِ والخطورة لا سيما في مدينة الأتارب التي تعرَّضت لقصفٍ عنيفٍ منذ بداياتِ الثورة وحتى توقيع اتفاقيّة وقفِ التّصعيد، ولم يبقَ في المدينة مدرسةٌ لم تتضرّر جراء القصفِ المدفعي والجوي الكثيف.
وحرصاً على استمرار العمليّة التعليميّة داخلَ المدينة، أعلنت جهاتٌ مدنيّة عن مشروع “توفير أماكن التعليم البديلة وتجهيز صفوفٍ أرضية” وكان المشروع بإشراف مجموعة عمل الأمان المجتمعي والمجلس المحلي في مدينة الأتارب، أمَّا الجهة المقدمة فهي قيادة شرطة حلب الحرة والتي قامت بدورها بتقديم اجتماعاتٍ منظَّمةٍ مع النساء والأطفالِ والنازحين الذين يستخدمون هذه المرافق، ومناقشة مخاوفهم المتعلقة بالأمن وحلِّها بالطريقة المناسبة مع توفير مساحةٍ آمنةٍ للأطفالِ أثناء التعليم، والقيام بجلساتِ توعيةٍ للطلاب حول الأمنِ والسلامة وأدوار ومسؤوليات الشرطة الحرة في المجتمع بالإضافة إلى توجيهِ حركةِ المرور حول موقعِ العمل، وامتدَّ تنفيذُ وإعداد المشروع من 22\5\2017 إلى 17\7\2017.
وعند اختتامِ تنفيذ المشروع أعلنتِ الجهاتُ المشرفة عن حفلِ الاختتام، ودَعَتِ الجهاتِ المدنيّة والإعلاميّة لتشاركَها هذا الإنجازَ الإنساني التعليمي، وذلك يوم الأربعاء الموافق للتاسع من شهر آب.
صحيفة حبر كانت في موقع الحفل، والتقتِ المساعدَ الأول في الشرطة الحرّة وهو عضو في لجنةِ عمل الأمان المجتمعي أحمد مكسور الذي قال: إنّ تكلفة المشروع 11691 دولاراً، ويخدم المشروع 580 طالباً، وهو عبارةٌ عن قبو قُسِّم إلى خمس عشرة غرفةً صفيّة قمنا بتجهيزها بالألواحِ مع ترميمِ النوافذِ وصيانةِ دوراتِ المياه، ولم نتعرض خلال العملِ لأيِّ عوائق، يهدفُ المشروعُ إلى توفير الجوّ الآمن والمناسب للتعليم، وتشجيعِ الأهالي لإرسالِ الطلّابِ إلى المدارس، ويعدُّ المشروع ثمرةَ التنسيقِ والتعاونِ بين الشرطة الحرة ولجان الأمانِ والمجلس المحلي لمدينةِ الأتارب.
إنَّ أهميَّة هذا المشروع تنبعُ من كونه خطوةً جدِّية للتغلُّبِ على الظروفِ التي فرضتها آلاتُ الإجرامِ في السنوات الماضية، كما يعبِّر المشروعُ عن دورِ الجهاتِ والمؤسَّسات المدنيّة التي يقعُ على عاتقِها الدورُ الأكبر في توفير الأجواء التعليميّة الآمنة من خلال العملِ المتواصل لخدمةِ المدنيّين والنهوضِ بالتعليم داخل المناطق المحرّرة.