بقلم : آية باقيمنذ ثلاث سنوات انطلق بعض الشباب ينادون بصوت عالٍ بكلمة “حرية” وهكذا مضوا في أزقة الطرقات وفي المدن والجامعات حتى أصبحوا حشوداً شعبية تردد بصوت واحد حرية..وهنا نقف قليلاً لنبحث عن معنى الكلمة في معجم كل فرد هبّ ثائراً يتظاهر ويهتف بها، فنجد أنَّ الكلمة واحدة وتظاهراتنا واحدة لكن المراد يختلف؛ فهناك من نادى بالحرية من نظام الأسد، وهناك من نادى ليتحرر من الفقر، أو ليتحرر من نظام الدائرة الحكومية التي يعمل فيها، ومنهم من يبتغي التخلص من الرشوة والفساد.تشعبت الرغبات وتبعثرت الأهداف، والتقت الأكفّ والحناجر عند حروف الحرية، فاتحدنا بالصوت الواحد بها، وتباعدنا عن التوحد بمحتواها، ليصل المطاف بنا إلى تخلي بعض الرجال عن المتابعة، وهجرة بعض الشباب إلى البلاد المجاورة، وبقاء القلّة من الثوار المجاهدين وبعض المدرسين الذين يسعون إلى رفع مستوى التعليم، وبعض الأطباء في المستشفيات للإنقاذ والعلاج، لكن أين البقية من دعاة الحرية؟! أين نجدهم؟! في إسطنبول؟! يعملون ويتزوجون ويقررون مصير سورية متسامرين.أمّا المنشقون فالكلام عليهم له شكل آخر؛ فكلمة الانشقاق تعني الانفصال عن النظام الجائر لا الانفصال عن الوطن والخروج منه للبحث عن فرص عمل وتأسيس حياة جديدة، فمن أحق بالأطباء والضباط وأساتذة الجامعة المنشقين الذين ملؤوا المحافظات التركية؟ أثورتنا والمناطق المحررة أم دول الخارج؟! أهذه هي حريتنا المنشودة أم هي خيانة لوطنهم؟!أين نجد الحشود المعارضة في بداية الثورة، أين نجد المتظاهرين الذين نادوا بالحرية؟! فلا عجب إن تأخر نصرنا ولا حسرة على أعمار أطفالنا الذين تبددت طفولتهم بين الدماء والدمار ودفنوا ألعابهم تحت الركام واستبدلوا بها البندقية والرصاص، استبدلوا بالدراجات الملونة دراجات لسحب أوعية الماء وإيصالها إلى أحيائهم، وإن سألناهم عن رغباتهم لنشاط ترفيهي تتركز إجاباتهم على الدورات التدريبية على استخدام السلاح لنيل الحرية، نعم الحرية التي ألقتْ على عواتقهم مسؤوليات كبيرة عندما تخلف عنها كثير ممن ساهموا بإشعال فتيل الثورة ليتركوا قلوبهم تواجه البراميل وعيونهم تناظر الدماء بدمع بريء، هؤلاء الأطفال هم أصحاب الرسالة الحقيقية للحرية.. الطفل الذي يجلب الخبز لأهله ويملأ خزان الماء ويذهب إلى مدرسته بملابس رثَّة، يعيش بلا أب أو أقرباء؛ سيقدم الحرية لوطنه وأهله سيوحّد القلوب والضمائر معاً… سيوحد الراية سيصل بسورية إلى أعالي المجد، أطفالنا الذين يعانون برد الشتاء سيحملون إلينا دفء الحرية التي لم يُكمل كثير من ثوَّارنا طريقها.