لقاء: أماني السيد
تعتبر حرية التفكير إحدى الحريات الرئيسة التي نصَّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 18 تحت نص: “لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين”.
حرية التفكير أساس ازدهار العالم، والقاعدة المتينة التي ستحمل جميع التقدمات والابتكارات، وستنهض بالأمة إلى الأعلى، لكن الشعب السوري افتقد هذه الحرية منذ وقت طويل، وأُكره على نسيناها بسبب الضغوطات التي تعرّض لها، حيث كان للحاكم دوراً كبيراً في قمع وإحباط أي عملية تقدم أو اختراع، فكان مثل السارق المتخفي، يسرق حرية الشعب ويلعب دور الحاكم البريء، حتى أوصل الشعب إلى حافة التخلف والجهل، وجعله يحصر اهتماماته وطموحاته في التفكير بقوته ولقمة عيشة وأساسيات حياته فقط.
حول هذا الموضوع التقت صحيفة حبر بالأستاذ أحمد إسماعيل “أبو قتيبة” مدير مكتب المجلس الشرعي في مدينة حلب المحررة
الذي قال: “إنَّ الإبداع يكون معنا منذ طفولتنا، فإما أن ننميه، وإما أن نقضي عليه. لقد كان النظام البعثي المجرم يعمل على القضاء على الإبداع من خلال عدة أمور؛ أهمها: تدمير التعليم، فلم يقدم شيئاً للتعليم، بل عمل على إحباطه، فلا تجد أبسط التجهيزات والمعدات في المدارس، ناهيك عن أعداد الطلاب الكبيرة جداً في الصف الواحد، وكذلك الأعباء الملقاة على المعلم كثيرة، والواسطة أساس لتعيين المعلم في الريف أو المدينة، لا يوجد تطوير للمعلم، الوسائل التعليمية تكاد تنعدم، تعليم تقليدي لا تطوير فيه، مما جعل التعليم قاتل لإبداع الأطفال لا منمياً لها، مع إهمال للطلبة المتميزين.
ليس الهم في المدارس فقط، بل كذلك الحال في الجامعات، حيث يسعى النظام لتضييق الجامعات بدلا من توسيعها، فأعداد التسجيل كل عام لا تتناسب مع تزايد الإقبال على التعليم، إضافة أنَّ النظام كان يعمل على توسيع التعليم الموازي المأجور على حساب التعليم المجاني، والمشكلة الأكبر التي تؤكد حرب النظام للإبداع بعد التخرج من الجامعات عدم وجود فرص عمل يستثمر بها الكفاءات العلمية التي أعدها، وإن استعملها يضعها في مكان غير مناسب لها فيرهق الأكاديميين بأعمال إدارية روتينية لا تطور البلد وتضمن قتل إبداعهم.
كان هذا ممَّا تستهدفه جميع دول العالم، فالذي يهمها مصلحتها في الدرجة الأولى ولا تلتفت لمعاناة الآخرين، وكل مبادئ حقوق الإنسان شعارات رنانة فارغة لا قيمة لها، وأكدت ذلك لنا ثورتنا المباركة، بعد نصف مليون شهيد على مرأى العالم أجمع ولم يحركوا ساكناً.
فمصلحة الدول تقتضي نفع بلدها باستقبال هذه الكفاءات، وهناك من يدمر بلده ويطرد هذه الكفاءات من الأنظمة العربية المستبدة، وأولها نظامنا الغاشم الذي هو عبارة عن عصابة منتفعة تنهب اقتصاد وثروات البلاد وتطرد الكفاءات، فمن المصلحة أن تسارع الدول الغربية لاستقبال المهجرين من أصحاب الكفاءات وتضعهم في المكان المناسب وتقدم لهم حياة مميزة تضمن جذبهم واستقرارهم عندها ، ممَّا جعل الكثير من الكفاءات يحلم بمجرد الانتهاء من الدراسة بترك بلده والتوجه إلى الدول الغربية أملاً برفاهية الحياة والتجنس بجنسية ذلك البلد الذي يقدم له الكثير مما لا يحلم به في بلده.
أراد أحد أصدقائي المبدعين قبل الثورة أن ينفع البلد، وحقا عمل مع النظام بمشاريع كبيرة جداً، ولكن كان يتعب بدون تقدير لجهوده حيث قال لي بالحرف الواحد: ” إذا أردت أن أسرق فيه يومياً أستطيع إدخال عشرات الآلاف لجيبي بدون رقابة، وإن أردت أن أعيش على راتبي سأبقى طوال حياتي لا أملك ثمن منزل أسكنه لذلك سأترك البلد وأهاجر”.
وحقا ترك البلد وهاجر، وخلال ستة أشهر استطاع جمع مال يكفيه لشراء منزل.
فمن الذي أخرجه من بلده؟ ومن الذي ضيّق عليه الحياة في بلده؟ إنَّه النظام الذي قمع الإبداع.
فهذا الشاب لم يكن أحسن من غيره من الذين أرادو مغادرة بلدهم من أجل تطوير أفكارهم والحلم بإبداعات أفضل والعمل والسعي لتنمية أفكارهم وما وهبهم الله إياه بطريقة أفضل.
لكن عندما نرى هجرة هذه العقول والكفاءات، نحزن كثيراً لأنَّها تذهب منَّا إلى غيرنا ونحن أحق بها من غيرنا.
الحل الأول والأخير هو التخلص من هذه العصابة الحاكمة المجرمة والعمل بعدها على توعية الجيل وتربيته تربية قويمة، من خلال الاهتمام بالعلم والتربية، والسعي على تطوير التعليم والارتقاء به، والاهتمام بأصحاب الكفاءات وتقدير جهودهم وإنزالهم منازلهم وتأمين العيش الهنيء وفرص العمل لهم، مما يجعلهم يستقرون في بلدهم ويفكرون في نفعه ولا يفكرون بالهجرة أبداً.
أتمنى من كل من خرج قسراً من سورية من شاب أو شابة، من مبتكر أو مبتكرة أن لا ينسوا فضل هذا البلد عليهم، وأن يتذكروا أنَّها بلدهم التي تربوا على خيراتها، فسورية ضحية هذا النظام المجرم، يجب أن نعمل كثيراً ونستخدم كل جهدنا وطاقتنا لإعادتها أجمل مما كانت، وهذا واجب على كل سوري داخل سورية أو خارجها.”