بقلم : محمد خالد درويشتوقع حزب الله أن تكون حربه على الشعب السوري نزهة، أو مهمة بسيطة يستطيع بها أن يقضي على مقاتلين لم يتمرسوا القتال والحروب، وهو صاحب الخبرة الطويلة في ذلك، وخصوصاً أنه يقاتل في ظروف أفضل مما سبق، من حيث مساندته بغطاء جوي أسدي. واستطاع أن يحقق مقاتلو الحزب بعض النجاحات البسيطة، مما جعل مؤيديه وأتباعه يفرحون لبعض الوقت، ونسوا وهم أدرى بذلك، أنهم كسبوا جولة وليست حرباً، واستطاعت كتائب الثوار أن تستنزفهم بحرب طويلة، معتمدين أسلوب حرب العصابات التي تصعب على أعتى جيوش العالم مقاومتها والتعامل معها، وخاصة في جرود وصحراء القلمون، التي تكيّف الثوار مع تضاريسها، وحفظوا شعابها وطرقها، وخبروا القتال فيها، ومرّغوا جباه ميلشياته وجنوده برمل صحرائه اللاهبة، وبدأ الثوار يسفِّرون الجثث والنعوش إلى الضاحية الجنوبية التي لم ترَ مثيلاً لها في أي وقت سابق، ولا حتى في حرب “2006”، فكانت المباغتة وسرعة تنفيذ العمليات، من قبل أبطال كتائب الثوار، سمة بارزة جعلتهم يُرعبون خصمهم ويتفننون في إذلاله. قبل عام، كان تهديد كتائب الثوار لحزب الله وبيئته الشعبية والاجتماعية، يقتصر على إطلاق عدد من الصواريخ على قرى في البقاع، أو حتى محاولة إدخال سيارات مفخخة إليها، بعدما قطعت الطريق على هذه السيارات في اتجاه ضاحية بيروت الجنوبية. أما اليوم فأصبحت المعركة بالسلاح الثقيل والمتوسط وحتى الأبيض على تخوم القرى المحسوبة على حزب الله، مما جعل أتباعه ومؤيديه يعيشون بحالة من الذعر وعدم الاستقرار. وطوال عامين، خاطب حزب الله اللبنانيين ودافع عن مشاركته في الحرب في سورية تحت عدة حجج ومسميات، تمكّنه من إقناع أتباعه ومؤيديه، فمرةً لحماية المقدسات المزعومة عند الشيعة، ومرة دفاعاً عن القرى الحدودية بين لبنان وسوريا، ومرة تحت عنوان “مواجهة الإرهاب “لكن بدأ يظهر بشكل جليّ أنّ الحرب الاستباقية على الثوار لم تضعف الثوار”أو تقضِ عليهم كما يدعي الحزب”، ولم تبعدهم عن لبنان، بل أتت بهم إليه، وتحديداً إلى مناطق الحاضنة الشعبية للحزب. ولهذا يضطر الحزب لإخفاء الحقائق والخسائر كي لا يُتّهم بجر لبنان إلى حرب هو بغنى عنها، ولتأجيل الاعتراف بأن تدخله ومن ثم خسائره في سورية، أخذت لبنان إلى ما كان ينأى بنفسه عنه وأدى نجاح عمليات الثوار بقيادة جبهة النصرة في صحراء القلمون و”عملية بريتال” داخل الحدود اللبنانية، وسيطرة الثوار على عدة مناطق، وإلحاق الخسائر البشرية والعسكرية به، كان لها أثر كبير في زعزعة هيبة الحزب في الداخل اللبناني وخارجه وحاول الحزب وآلته الإعلامية أن يخفيا الخسائر والقتلى الذين قُتلوا في المعارك الأخيرة، لكنهم صُدموا بعرض جبهة النصرة فيديو يظهر فيه سير المعركة والخسائر وجنوداً صرعى في ساحة المعركة، فاضطربت الروايات الواردة من وسائلهم الإعلامية والمقربة منهم لتبرير فشلهم في التصدي للثوار. ومؤخراً سُرّبت مصادر إعلامية تابعة لـ”حزب الله” ، بأن الحصيلة النهائية لخسائره البشرية هي 840 قتيلًا، و 2400 جريح، منهم 200 إصابة دائمة، وهي الخسائر لعناصر “حزب الله” الذين قضوا وجرحوا في سورية والعراق والسلسلة الشرقية اللبنانية، منذ بداية الحرب التي قامت في سوريا بين ميليشيات الأسد وكتائب الثوار، وفي دعم الميليشيات الشيعية التي تقاتل تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق، فيما أشارت مصادر متابعة أخرى “رداً على التسريب” إلى أنّ العدد أكبر من ذلك بكثير وقد يصل إلى ضعفه على أقل تقدير، لكنّ نشرَ هذا الرقم هو (لتبريد القلوب) وطمأنة الناس والأهالي. إن اعتراف الحزب بهذا العدد من القتلى يظهر ضعفه وانكشافه أمام خطط الثوار الجديدة، وكذب ما أُعلن عنه حول خسائره الحربية، وأن إعلامه تعرى ولم يعد مؤيدوه يصدقوه أو يثقوا به، وأن حربه ذات الأهداف المتغيرة لم ولن تبرر له قتل ثورة قامت ضد جلاد مجرم مستبد .