في ظلَّ التجاذبات السياسية في المنطقة، ينحدر مؤشر الملف السوري في سياسات الدول الداعمة للثورة السورية مع كلِّ تطور جديد على الساحة الإقليمية نحو الانخفاض، وكان آخرها موقف السعودية المتمثل في البيان الختامي لمؤتمر الرياض2 الذي يعتبر مغادرة الأسد خلال الفترة الانتقالية هو عبارة عن وجهة نظر، أي أنَّ المجتمعين تنازلوا عن شرط تنحي الأسد للدخول بالمفاوضات السياسية الذي ورد في بيان الرياض1 بصيغة التأكيد والتشديد على مغادرة الأسد وزمرته مع بداية المرحلة الانتقالية بناء على مقررات جنيف1
هذه السياسة التي تدعم النهج الأمريكي بتسليم الملف السوري للروس، وذلك لحسابات إقليمية ودولية تتماشى مع الرؤية الأمريكية للمنطقة.
مؤتمر الرياض الذي ضم المنصات الثلاث (الرياض – القاهرة – موسكو) سبقه استقالات بالجملة من الهيئة العليا للمفاوضات بعد التنازلات السعودية في مواقفها السياسية ومحاولة ربط الملف السوري بأزمة الحصار المفروضة على قطر من خلال طلبها من رئيس هيئتها تغيير مقر إقامته من الدوحة الى الرياض حسب (الشروق القطرية) و إشراك منصة موسكو(الأسد) في اجتماعها الذي رفض ممثلها التوقيع على بيانها الختامي.
وفي هذا لا أرى أمراً لصالح الثورة السورية، فالنهج الدبلوماسي لا يقتضي تغيرات جذرية في نخب الهيئة العليا لمجرد ضغوط ومصالح قد تجبر دول لتغير وجهات نظر مواقفها، ولا أعتقد أنَّ المواجهة السياسية صعبة أكثر من العسكرية (على مدار ست سنوات) لكي ينسحب حجاب عند أول اختبار، فتماسك نواة المعارضة الحقيقية هو الأمر الأهم، ومها تطاولت منصة الأسد على حقيبة المعارضة، فإنَّها لن تستطيع سحب أوراق الضغط و القرارات الدولية المتعلقة بنظام مجرم، غير أنَّ تفريغ الهيئة من نخبها السياسية وصناعة انقسام في بنيتها أمام المجتمع الدولي هو الهدف الرئيس لموسكو والأسد لبلورة حل جديد ينسف به كل ما تم الاتفاق عليه، فقد اعتادت موسكو على خلط الأوراق وتغير المسارات لتشتيت الجهد وكسب الوقت، ولهذا ما كان يجب على الهيئة أن تفرط عقدها مع بداية المعركة السياسية التي لا مفر منها سواء في سوتشي أو غيرها.
واستكمالا للتطورات السياسية السابقة انتهت قمة سوتشي لما يسمى بالدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد ببوادر وتسريبات تنم عن تقارب تركي روسي وشرود سياسي إيراني خارج السرب الضامن وذلك لخلاف حول مصير الأسد مستقبلا، وهو ما ترجمته فعلا المواقع الإلكترونية والصحف النافذة بكلا البلدين، ففي حين كشف موقع (إيران واير) في تقرير له عودة ظهور الخلاف حول بقاء الأسد الذي تؤيده طهران وترفض مناقشته بتاتاً نصح خبير روسي في مقال نشرته صحيفة موسكوفسكي الكرملين بتجنب الارتباط مع الأسد بعد تحقيق مصالحها.
تلك المعضلة التي دأبت موسكو على إبقائها غامضة وحتى مع قرب بدء انطلاق مفاوضات الحل السياسي التي ترعها على البحر الأسود.
والجدير بالذكر هنا أنَّ السعي الحثيث لموسكو لإنهاء الصبغة العسكرية للصراع في سورية مع بداية العام القادم، و نهاية تنظيم داعش يخفي من خلفه تفاهمات أمريكية روسية وربما (إسرائيلية) بين زعماء البلدين حول السياسة الأمريكية للمنطقة في مواجهة إيران وميليشياتها وحزب الله على وجه الخصوص والتحضيرات المتسارعة لهذه المواجهة جلية على الساحة الإقليمية سواء بتسريع وتيرة الحل في سورية أو في التطورات السياسية في لبنان، إضافة للتهديدات الأمريكية والإسرائيلية لقواعد إيران في سورية وتصريحات الأمريكيين بالبقاء في سورية في مرحلة ما بعد داعش.
لم يعد الحل في سورية هدفه فعلا تسوية سياسية لأجل سورية بحد ذاتها فقط، بل بات الأمر مرتبطا بمحاربة بقاء إيران متخفية بأذرعها وذرائعها خلف حرائق المنطقة ووسائل تدليسها السياسي وخداعها الدبلوماسي لمد نفوذها، فهل تستطيع الهيئة العليا للمفاوضات بتشكيلها الجديد إتقان لعبتها السياسية بلعب على وتر المتناقضات الجيوسياسية كما فعلتها روسيا و إيران في الفترة الماضية، أم أنَّها ستُبقي نفسها كعكة الحفل في كل تسوية لصراع إقليمي ودولي؟؟