د. برهان غليون
المحرك الرئيسي للحرب السورية الداخلية، كان وبقي خلال السنوات الخمس الماضية هو رفض الأسد ونظامه الانتقال السياسي وسعيه من خلال شن العدوان والحرب على شعبه، وبيع ولائه للدول الأجنبية إيران ثم روسيا، من أجل تأمين وسائل الاستمرار في الحرب، العسكرية منها والسياسية.
خطوة الروس بالانسحاب المفاجئ من سورية، هي رسالة موجهة للأسد بأن حقبة التلاعب والهرب من الاستحقاق التفاوضي والعمل على تقويض المبادرات الدولية قد انتهت. وأن عليه التخلي عن أحلامه والقبول بالمشاركة الجدية في مفاوضات سوف تفضي لا محالة لنهاية نظامه وحكمه.
وقد جاءت هذه الخطوة رداً واضحا على تعنت الأسد ورفضه الاعتراف بالتوافق الدولي حول إعادة إطلاق مفاوضات الحل السياسي وسعيه بجميع الوسائل إلى تقويضها، سواء بإصدار قرار تنظيم الانتخابات التشريعية في الشهر القادم ليقطع الطريق على الانتخابات التي حددها التوافق الدولي بعد ١٨ شهرا وتحت إشراف دولي وبمشاركة المعارضة، أو من خلال دفعه وزير خارجيته للإعلان عن رفض النظام التفاوض حول الانتخابات الرئاسية واعتبارها خطا أحمر، أي في الواقع اعتبار مصير الأسد موضوعا خارجا عن التفاوض، أو أخيرا اعتقاد الأسد بأنه يستطيع أن يستخدم الروس من أجل القضاء على المعارضة واستعادة ملكه كما لو كانوا خدما لديه، وهو ما رد عليه في وقتها فيتالي تشوركين ممثل روسيا في الأمم المتحدة قائلا لا تركزوا على ما يقول الأسد ولكن على ما سيفعله.
لا ينبغي أن نتفاءل كثيرا . ما وراء الاتفاق الدولي هو الخوف من أن يقود استمرار البركان السوري بنفث لهبه إلى زعزعة استقرار المنطقة وبشكل خاص أوروبا والعالم، سواء نتيجة تفاقم أزمة المهجرين واللاجئين الذي أصبحوا يشكلون اليوم عبئا كبيراً على الدول المستقبلة، ولا أحد يعرف ما الذي سيكون عليه مصير أبنائهم والأجيال الجديدة الفاقدة للتعليم والأمل معاً، إذا استمر الوضع لسنوات أخرى قادمة، أو بسبب الانتشار المتوسع للتنظيمات المتطرفة في أكثر من منطقة انطلاقاً من سورية والعراق، وتزايد العمليات الإرهابية في أوروبة والعديد من بلدان العالم.
التوافق الروسي الأمريكي والدولي جاء من منطلق الاعتقاد المتنامي بعد فشل القضاء على داعش وأخواتها بأن من المستحيل احتواء مضاعفات الأزمة السورية من دون وضع حد للحرب والدفع في اتجاه التهدئة والعودة إلى الحالة الطبيعية والاستقرار.
لكن نهاية الحرب بهذا المعنى أي زوال مبرر استمرارها مع التوصل إلى اتفاق دولي للحل وتبني الدول له والعمل عليه، مما يجعل من العودة للحرب مناهضة للقرار الدولي ولمصالح دول كبرى، لا تعني وقف الأعمال القتالية تماما أو عدم حصول معارك وصدامات. هذا يمكن أن يحصل ضمن إطار الحفاظ على المواقع الراهنة للإطراف أو في مواجهة قوى من النظام أو من خارجه تريد أن تغير في معادلة وطبيعة المعادلة التي قام عليها الاتفاق الدولي. بل أكثر من ذلك لا تعني نهاية الحرب، أي زوال مبرراتها الكبرى، أن روسيا لن تستخدم قوتها الباقية في سورية ضد هذا الطرف أو ذاك، وضد المعارضة إذا حاولت أن تستفيد من الانسحاب لصالحها. اعتقد أن هناك اتفاقا أيضا على تثبيت مبدأ لا غالب ولا مغلوب وحرمة الحسم العسكري لأي طرف. وأي طرف يحاول خرق هذا المبدأ أو يظهر وكأنه يقوم بذلك سوف يتعرض للرد الروسي. وربما سيكون ثمن وقف العمليات الروسية لصالح مشروع الأسد وتوجه الروس لدعم المشروع الدولي لإنجاح مفاوضات التسوية السياسية هو وقف حلفاء المعارضة تزويدها أيضا بالسلام. وربما كان هذا أحد بنود التوافق أو الاتفاق.
في جميع الأحوال نحن مقبلون على مرحلة ستكون فيها الكلمة الأولى في الصراع السوري للسياسة والدبلوماسية وليس للسلاح. وسيكون من المفيد جدا لنا، أي للشعب السوري الذي عانى أشد العذاب في السنوات الماضية، أن يعيد أحياء روح التظاهر والتفنن في التعبير عن لفظه النهائي لهذا النظام ورجالاته، وتأكيد حقه الذي لا يمكن نقاشه في إحقاق الحق وتطبيق قانون العدالة وإنزال العقاب بالقتلة والمجرمين، من أي جهة كانوا.
هذه هي اللحظة التي تعود فيها القضية للشعب والتي يعود فيها الشعب للعب دوره الحاسم. والكلمة الآن للناشطين في ساحات سورية وأحيائها. وهذه هي أيضا دعوة لهم كي يعودوا لمن يستطيع أن يعود ليستعيد دوره ونشاطه من داخل سورية التي تتهيأ للحرية والانتصار.
باختصار فرض القبول بالانتقال السياسي على الأسد، وهو ما يعني ضمنا نقل السلطة منه إلى طرف آخر ونظام آخر، يعني إزالة أهم دافع ومنبع للحرب: مصير الأسد نفسه.
نهاية الأسد تعني ببساطة نهاية الحرب