“تعبير مجازي” يطلق على المكان الذي يعود إليه كثير ممَّن باع ضميره، أو أعياه الحال إلى ما لا يمكن أن يحتمل، أو انتهت مصلحته في الثورة التي دخلها أصلاً عن مصلحة لا غير، أو من قرر الخيانة لأنَّه وجد أنَّها مربحة أمام المبادئ المكلفة التي لم تعد تشبع من الدماء، فيتحالف مع القاتل ظناً منه أنَّه سيعصم دمه وماله، لكن ما أن يعد حتى يصبح مهدور الدم بين صفوف الجيش الباسل، ومهدور المال الذي سيضطر لدفعه كرشاوٍ من أجل سقف محتملٍ من الذل.
شخصياً لا أجد حضن الوطن مكاناً لائقاً، .. الأحضان بشكلٍ عام ليست مكاناً آمناً، بل هي أمكنة ذات خصوصية عالية، تحصل فيها انتهاكات غير محسوبة غالباً، حتى عندما تكون هذه الأحضان حالة فردية. فكيف بحضن وطن كامل! مليء بكل الناس الذين يتناوبون على رعاية مصالح أبنائه، مقابل اليسير جداً من الدفء، (ربما ليس من الصعب أن يصل مغزى هذه العبارات).
بشكل عام العودة إلى الأحضان هي ثقافة، يمارسها الضعفاء، والمخذولون، وأصحاب المصلحة الذين لا تتعارض مصالحهم مع انتهاك شرفهم وحرماتهم ..، هذه الثقافة تنشأ عندما يشعر المحضون بالخسارة الكبرى، وإنَّه غير قادر على الاستمرار مع الحريّة المُكلفة، وإنَّ قليلاً من الألم خيرٌ من عذابات الشرف والكرامة.
الثورة أو إرادة التغيير أصلاً لم تكن معركة هؤلاء، بل كانت المكسب المحتمل، وعندما تختفي المكاسب تعود الأحضان مقبولة حتى لو حملت معها كثيراً من الذل والتمزق، لكنَّها أفضل من الارتهان لفراغات أو أحضان خارجية، ربَّما ليس فيها الدفء المعهود، وأفضل من المقاومة في سبيل صناعة شعب يحتضن وطنه في علاقة شرعية وليس العكس، عندها يكون الاحتضان منتجاً.
يتوجب على الطرف الآخر أيضاً توفير أحضان مناسبة تكون فيها العلاقة شرعية بين الوطن وأبنائه، وألّا يلوموا الشعوب فقط لأنَّها غير قادرة على الاستمرار، فالبرد يأكل كل شيء، وهو أصلاً يترصد جميع الطرق التي لا تعرف الرحمة، والحدود الشرعية للحضن غير المقنن ربَّما تلغى إذا لم يعد هناك من يستطيع تأمين علاقة سوية ترضاها حرية الناس وكرامتهم.
لا يمكن تشريع الارتهان، لا لحضن الوطن، ولا لغيره أبداً مهما كانت الحرية صعبة، فهذه العلاقات لن تجلب معها إلا أولاد الحرام ليأكلوا الأخضر واليابس.
لكن حسبنا هنا أن ذكرنا الأسباب التي تؤدي لهذه الفاحشة ..، علَّنا نستطيع التخلص منها.
ودمتم بأحضان من تحبون ?
المدير العام | أحمد وديع العبسي