باسل عبود |
انتشرت في الفترة الأخيرة أنباء تتحدث عن انسحاب إيران وميليشياتها من الأراضي السورية بعد اتفاق مزعوم بين إسرائيل وروسيا (تناقلته وسائل إعلامية دون مصدر رسمي)، ينص على ضرورة إخراج الإيرانيين من البلاد بالتوازي مع ضربات جوية إسرائيلية، وأخرى من قبل طيران التحالف الدولي ضد المصالح الإيرانية بين وقتٍ وآخر.
لكن الحقائق على الأرض تثبت العكس، فإيران التي أنفقت مليارات الدولارات منذ بداية الثورة في سورية، بالإضافة إلى تقديم آلاف القتلى من ميليشياتها، تبدو غير مكترثة بهذا الكلام، فهي تبني أكبر قاعدة عسكرية لها في ريف دير الزور (البوكمال) بحسب ما كشفت صحف إسرائيلية، والدعم اللوجستي الذي تقدمه للنظام السوري لم يتوقف للحظة من مشتقات نفطية، إلى معدات عسكرية للمقاتلين على الأرض، إذ ليس من السهل إجبار إيران على الخروج ضمن اتفاق، حتى وإن كان هناك اتفاق على إخراجها بالقوة.
المراهنون على خروج إيران متفائلون بالوضع الاقتصادي الإيراني بعد انهيار أسعار النفط العالمية، وتراجع قيمة التومان وانتشار السخرية الشعبية عليه وتكنيسه بدل القمامة، وانتشار فيروس كورونا في الولايات الإيرانية، فضلاً عن العقوبات الغربية المشددة التي تعصف بها،
فالاقتصاد الإيراني اليوم في الحضيض، ونفقات الوجود الإيراني في سورية باهظة، فهي تدعم عشرات المليشيات ماديًا وعسكريًا دون أن تحصل على عائدات اقتصادية تُذكر توازي هذه النفقات الضخمة التي تقتطع من ميزانية شعبها.
لكن في الوقت نفسه لديها تجارب طويلة في التعايش مع أوضاع اقتصادية سيئة منذ قيام ما يسمى (بالثورة الإسلامية) وما تلاها من حرب الخليج الأولى إلى يومنا هذا، فهي تعاني من العقوبات ولم تكن يومًا عائقًا أمام تمددها خارج حدودها كالأخطبوط، ولن تسمح للاقتصاد بتخريب ما أسسته خلال سنوات، فسورية بالنسبة إليها عقدة الوصل بين العراق ولبنان وحدائق خلفية.
لا شك أن إيران منذ بداية تدخلها كانت تحسب أسوأ الاحتمالات، ومن بينها أن يتم إخراجها بالقوة، ولذلك تغلغلت ضمن مفاصل الجيش والأمن، وأسست ميليشيات محلية ولاؤها لطهران، كما عملت على نشر مذهبها الطائفي داخل المجتمع السوري لتكوِّن بيئة شعبية حاضنة لمشروعها الطائفي، كما تسعى للسيطرة على العقارات السكنية والأراضي وإنشاء سكة حديد تربط الأراضي الإيرانية بمدينة اللاذقية.
إيران اليوم تراهن على عامل الزمن لإتمام كل خطواتها في سورية قبل أن يصاغ حل نهائي للملف السوري، فهي تعمل جاهدة لإطالة الحرب وإفشال أي اتفاق لوقف إطلاق النار كاتفاق إدلب على سبيل المثال، مع تأمين الدعم الكامل لنظام الأسد، فهو المظلة الشرعية لكل تحركاتها داخل سورية، وهنا يكمن اختلافها مع روسيا، التي أمَّنت مصالحها من قواعد عسكرية وموانئ وعقود نفط وغاز، وانتهت صلاحية الأسد بالنسبة إليها لمَا رأت من الأسد على ما يبدو عدم طاعة وتقديم مصالح إيران عليها، وقد بدأت وسائل إعلام روسية ومراكز أبحاث بانتقاد علني لنظام الأسد وكشف بعض ملفات الفساد المتعلقة به، كأن كل ذلك رسالة روسية للغرب بأنها أصبحت جاهزة للتخلي عن الأسد.
أما الإيرانيون مازال أمامهم الكثير لينجزوه، ولذلك لا يفوتون أي فرصة لدعم نظام الأسد ومن هنا جاءت زيارة وزير خارجية إيران (جواد ظريف) الأخيرة لدمشق لتثبت الدعم المطلق لنظام الأسد في ظل الحديث عن قرب التخلص منه، ومن جهة أخرى لنفي الشائعات عن انسحابها من البلاد.
التمسك الإيراني لن ينتهي قبل استكمال بناء الدولة العميقة التابعة لها في سورية، عندها سيكون خروج إيران من سورية كخروج النظام السوري من لبنان، حيث خرج عسكريًا وبقي أمنيًا، وبقي عملاؤها يحكمون البلد، والعراق اليوم مثال حي عن الخطر الإيراني، فهو يحكم من قبل وكلاء طهران دون أن يكون لإيران قوات على الأرض، وكذا مع ميليشيا الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان.