كما هي العادة في كلِّ سنة من سنوات الثورة التي تمرُّ على الغوطة الشرقية المحاصرة، يتجدد افتتاح المدارس، فيلتحق بها الطلاب لممارسة أبسط حقٍّ من حقوقهم وهو التعلم.
لكن سرعان ما يبدأ نظام الأسد باستهداف المدارس، فيقصفها متعمدا ذلك أثناء دوامها الرسمي، ما يخلف أطفالا شهداء، وإصابات عديدة في أجسادهم البريئة النحيلة، كان آخر هذه الاستهدافات استهداف مدرسة في بلدة جسرين أدَّت لمجزرة راح ضحيتها 6 طلاب أطفال من المدرسة.
وفي الوقت ذاته استهدف مدارس أخرى في الغوطة في بلدات كفر بطنا – مسرابا – حرستا وغيرها، خلف في مسرابا حينها 4 شهداء بينهم طفلين، ففي كل قصف يخلف شهداء وجرحى ويبث الرعب في صفوف الطلاب ليمنعهم بذلك من ارتياد المدارس، ويمنع أهلهم من إرسالهم إليها.
قبيل إحداث المجازر في المدارس يعمد النظام المجرم إلى تكثيف القصف على البلدات، فقد كثف قصفه على بلدة كفر بطنا، ما أدَّى إلى وقوع شهداء وإصابات في صفوف أطفال كثر، فاضطر المكتب التعليمي في البلدة لتعليق الدوام حفاظا على السلامة.
القصف هذا غالبا ما يتسبب بتعليق الدوام من قبل مديرية التربية والتعليم في الغوطة الشرقية، حيث علقت المديرية الدوام على إثر مجزرة طلاب جسرين لمدة يومين بقرار رسمي صدر عنها.
كما يتسبب أيضا بخفض نسبة الدوام حتى يستقر وضع القصف الذي تشهده مدارس الغوطة بعد الثوران الإعلامي والتنديد باستهداف النظام للمدارس في قصفه.
التعليم يقضُّ مضجع النظام:
كأنَّ التعليم يؤرق جانب نظام الأسد ويخيفه، ففي كلِّ سنة يتكرر السيناريو ذاته ويعاد المشهد، لكن الضحايا مختلفون.
يجري ذلك دون أي إدانة دولية له تمنعه من قصف المدارس وارتكاب المجازر فيها رغم الوثائق والقرائن التي تؤكد إدانته.
حقوق إنسان ضمن مواد دولية:
صورة التقطت لأطفال مجزرة جسرين محملين في إحدى الشاحنات القديمة لإسعافهم، يحمل الأطفال حقائبهم والدماء تغطي أجسادهم، وما ركّز عليه الناشطون “حقيبة اليونيسف” التي وزِّعت في وقت سابق لدعم التعليم في الغوطة، كان يحملها الطفل على ظهره وهو ملقى في الشاحنة من غير حراك.
المادة رقم 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تضمن حقَّ التعلم كحق من حقوق الإنسان، والمادة رقم 13و 14من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تؤكد ذلك الأمر.
هذه المواد ذات الصبغة الدولية العالمية وغيرها لا يوجد أي ضامن لها ضمن هذه الأرض لتنفيذها بسلام وبالشكل الطبيعي لها، لكن إصرار أهل الغوطة على إعطاء أبنائهم هذا الحق يقف في وجه من يحاول جاهداً منعهم ممارسته.
ومع الجهد الكبير الذي يبذله القائمون في المجال التعليمي لمتابعة مسيرة التعليم في الغوطة، إلا أنَّ هذه المخاطر تضعهم في مأزق ضخم حيال إعطاء المنهاج كاملاً للطلاب، حيث يمثل هذا خطراً كبيراً بسبب استمرارية العطل التي تنتج بسبب القصف، والاقتحامات المتكررة عليها من قبل نظام الأسد.
الأستاذ “المعتز بالله” مدرس علوم في إحدى مدارس الغوطة أكَّد لحبر خطورة هذا الأمر بقوله: “في السنة الماضية كانت العطل كثيرة جدا، ويبدو أنَّ السنة هذه على هذا الحال أيضا، وستكون مثل سابقتها وربما أسوأ، الأمر الذي يسبب عدم أخذ الطالب المنهاج الكافي له ضمن السنة الدراسية، وأن نأتي بالطلاب بهذه الأوضاع أمرٌ بالغ الصعوبة، فنحن نتكلم عن أرواح ستكون الضريبة”
فيما سيكون الأمر سيئا للغاية بالنسبة إلى طلاب الشهادات (الثالث الإعدادي والثالث الثانوي)
حيث أكَّد الأستاذ “محمد الملا” مدرس لغة عربية لطلاب الصف التاسع أنَّ استمرار النظام بقصفه على هذا الحال سيسبب خللاً في إعطاء منهاج الشهادات، وتابع قائلا: “بعض المدارس خيَّرتْ طلاب الشهادات في الحضور، فمنهم من قبل لكن ما المقابل هنا؟! المقابل أنَّهم يأتون على أرواحهم”
حال الأهالي أيضا ليس أفضل، منهم من آثر عدم إرسال أبنائه إلى المدرسة بعد هذا القصف لفترة ربَّما يخفف النظام من تصعيده فيها على المدارس وربما لا.
“أبو عمران” أحد القاطنين في الغوطة، آثر عدم إرساله ابنه إلى المدرسة قائلا لحبر: ” طالما أنَّ الوضع هكذا والاستهداف للمدارس بشكل كبير، أحافظ على حياة ابني أفضل من أن أرسله ليتعلم، إن بقي على قيد الحياة يستطيع أن يتعلم فيما بعد”.
ويبقى الحال بين همة عالية من قبل أهل الغوطة الشرقية المحاصرة لمواجهة الحال الذي يواجهها من قبل نظام الأسد الذي يصعد قصفه ويشدد حصاره بشكل خانق عليها.
يُذكر أنَّ مجزرة جسرين واستهداف المدارس حدثا بعد دخول قوافل مساعدات من قبل الهلال الأحمر إلى الغوطة بسبب الحصار الذي يؤثر بشكل سلبي على غذاء أهلها وبالتحديد الأطفال، فلم تسعف تلك المساعدات لإنقاذ هؤلاء الأطفال، لأنَّ النظام كان أسرع في سلبهم روحهم البريئة.