بعد اجتماع دار المنامة التي حضرها قُطَّاع الطرق وحرامية الدار وتُجار القضايا وشهبندر الفُجار، بدت صفقة القرن بصورتها الحقيقية، وهي السلام على طريقة اللصوص، ونصت على: (أن يبقى للص وما سرق وأن يدفع (أخوة) الضحية الأغنياء الديّة لأمهم وللأبناء اتقاء استمرار الاعتداء على ما تبقى من فتات الأرض والأملاك، ويجب أن يمنح الأخوة الأغنياء أيضًا شيئًا من أملاكهم لأبناء الضحية كتعويض عمّا تمت سرقته، لكي يستطيعوا إقامة ما يلزم لحظيرتهم التي سيعيشون فيها، وسيمنع في حالة السلام أن يمتلك أهل الضحية أي سلاح يدافعون به عن أنفسهم، وستسحب منهم أيضًا سكاكين المطبخ لكيلا يشتعل الثأر الأحمق برؤوسهم فيستخدمونها ضد اللصوص ويسببون لهم الجروح المؤلمة، وفي حالة تعرضهم للاعتداء سيتم تسوية الأمر عن طريق دفع الديات وتبويس الشوارب)
وطبعاً هذا ليس بالمجان، فالأخوة الأغنياء سيكونون صانعي السلام، وسيلتزم اللصوص أخلاقيًّا بعدم السرقة مجددًا ما دام الأخوة الأغنياء سيعوضونهم بدل سرقاتهم، وستكون أخلاق اللصوص هي الضامن والميثاق، وسيفتتحون فروعًا لهم في كل أراضي الأخوة الأغنياء والجيران لكي يتابعوا تنظيم عملية السلام وأخذ حصتهم دون عناء القفز فوق الجدران والسرقة كما كان يحدث من زمان، كما أن اللصوص هم من سيحمون أمَّ الضحية وأبناءها، وسيتقاضون أجرًا على ذلك وإلا سيعودون للسرقة من جديد.
وسيحصل الأخوة الكرماء على صالات الطبل والرقص والدبك العربي والأجنبي التي كانت ممنوعة عنهم فترة من الدهر لم يروا فيها إشراقة الحضارة الحقيقية من بين سيقان الراقصات الملساء وعلى فساتين المغنيات البراقة، وسيكون لهم أيضًا ديسكو وبوب وكازينوهات حضارية لا تنعدم فيها الأخلاق كما في كازينوهات الغرب الكافر، وإنما ستفتتح بالذكر وتختتم بالاستغفار، وستعرض فيها الفنون الراقية والمشروبات الحلال من ماء زمزم وماء الورد والعرقسوس ونبيذ التمر وشراب الشعير.
أما الأبناء وأمهم، فلا تعجبهم عيشة الحظائر ولا يقبلون هذه الصفقة التي ستدوس على كرامتهم، وسيقاومون اللصوص ويحاربونهم حتى بعد ألف صفقة، فهم لا يفهمون إلا صفقة واحدة، إعادة الحقوق الكاملة ورحيل اللصوص عن الأرض، وإلا فلن تنتهي الحرب، ولن يحدث السلام حتى لو تآمرت جميع مخافر الحارات المتحدة مع السارقين، ولن يبقى في العالم أي شرطي شريف يساعدهم، فهم ماضون وحدهم لاستعادة حق آبائهم الذي يرثون دينه جيلاً بعد جيل.
المدير العام | أحمد وديع العبسي