بقلم : رئيس التحريرلقد جعل الله سبحانه في سنة التداول حكمة بالغة تميز الصف بعد الشدة والتمحيص، ليعرف المؤمن من المنافق، وصاحب المنهج الذي يبتغي وجه الحق والحقيقة من صاحب الطريق الذي يبتغي وجه أمريكا وأعداء الأمة، فينتقل حال أولئك الذين لعبوا لعبة النفاق ليغشوا الثورة المباركة من عالم الغيب الذي لا يعرفه إلا الله إلى عالم الوقائع المرئية، فيشاهدهم الناس، ويفتضحون أمام العيان، ذلك أنه لا يمكن أن يستمر الصف القويم في السير وهو في حالة الخلط بين قلبين أسود وأبيض، فلا يميز بين من يبذل النفوس، وبين من يجمع الفلوس، فلا ستار يدوم في مسرح الحياة، ولا بد أن تكشف النوايا والمخططات التي تكيد للأمة مكائدها.ويكون التمييز بالتفريق بين المتشابهين بالظاهر والمظاهر ولكنهم مختلفون جدا في جواهرهم وحقيقتهم ونواياهم، فيقع الفرز بعد جملة من الملمات والمحن والنوب، وتسقط الأقنعة وتنكشف السوءات وتتحرك المياه الراكدة ليتبين صافيها من آسنها، وشبيحها من مجاهدها، وفدائيها من سارقها، ومخلصها من عميلها.وقد قدر الله سبحانه ألا يكون الفرز والتمييز إلا بعد الابتلاء والمشقة، لا يكون ذلك إلا بعد أن تجدَّ الجماعات المؤمنة في الطريق الذي اختارته لنفسها، طريق الحق والهداية، فتزداد المحن كلما تمسكوا بالمنهج القويم، وكلما أوغلوا السير إلى الهدف، وعلى قدر الدين والإخلاص والالتزام يكون ابتلاؤهم وتمحيصهم واختبارهم، وإن هذه المحن المتلاحقة من الوسائل الفعالة في كشف الحقائق وتبيانها، كما أن الذهب لا يتميز خالصه من مزيفه إلا بعد أن يتعرض إلى النار التي تشعله، فالشدة والضغط الجسدي والنفسي تخرج مكنونات النفس البشرية وتكشف ما في ضمائرها وما يعتمل في بواطنها وأسرارها، والأحداث الساخنة هي التي تنفي عن صفوف المؤمنين الخبث الذي يعكر صفوها ويقف حائلا دون مسيرتها، وشتان شتان بين من تظهر الملمات سمو نفسه وتمسكه بدينه فيقول: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ”وبين من تزل به قدمه فتزلق به فتهوي به إلى مستنقع النفاق، فيقول: ” مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا“ولولا هذه التفرقة لكان التداخل بين الجماعات، وضاع التفريق بين الدائرة العامة والدائرة الخاصة، واختلط الحابل بالنابل، وهذا مما يؤثر تأثيرًا سلبيا كبيرًا وتتشوه صورة الجماعة، ويصبح مشروعها عرضة للبيع أو المساومة. وفي هذا العزل طهارة للجسم الداخلي، فينعزل من يشوه الصورة من حيث يدري أولا يدري، ولذلك كان لا بد من جولة التطهير من المسؤولين عن نظافة الجماعة وسلامتها.