في ظل تخاذل عربي وإسلامي مخزٍ، ومجتمع دولي عاجزٍ عن اتخاذ قرار لوقف سفك دماء الحلبيين، واحتلال روسي صريح، وسيطرة إيرانية طائفية على وجه السيادة المزعومة في سوريا، تبقى حلب ومن خلفها اليوم جميع المناطق المحررة في سوريا تقاتل من أجل ما تبقى من كرامة الإنسان العربي المسلم .
هذا الإنسان الذي أسكت عنوة في مشارق الأرض ومغاربها، وتمت برمجته بشكل جيد ليقضي ما تبقى من حياته وهو يحاول نفي تهمة الإرهاب عن نفسه، ويصنع أمجاد شخصية ونجاحات مؤقتة ترضي نزوته للشهرة والمال، وفي أحسن الأحوال هو داعية أو مصلح اجتماعي يحاول تغيير العالم من حوله عبر صفحات كتاب ما يقوم بـتأليفه، أو محاضرات يلقيها في جامعات ومؤتمرات ومنصات متفرقة هنا وهناك، بينما يقتل أخوته في حلب وغيرها، دون أن يستطيع الإشارة إليهم بعبارة تأييد أو تعاطف بسبب انشغالاته بالتغيير الذي يقوم به، أو بسبب نظام حاكم يكتم أنفاسه في مكان إقامته .
أيّ نصر يمكن أن ترتجيه حلب من هؤلاء، وقد حوّلوا مشاريع الأمة والوجود، إلى قماقم شخصية يحاولون النفاذ منها إلى العالم، بينما يُهدم المشروع الذي يحتويهم.
حلب اليوم تدافع عن كرامة أمّة في وجه استعمار يريد محو وجودها..، لم تعد معركتنا هنا مجرد ثورة شعب في وجه جلاده، ولم تعد معركة تحرير بلد من غاصبين، وإنّما أصبحت معركة إرساء مفاهيم جديدة كلياً ستصوغ المستقبل القريب لأبنائنا، وسيكتبها من ينتصر، ليكون على الأجيال القادمة متابعة البناء إن انتصرنا، أو على الثائرين في العصور اللاحقة أن يستعدوا لمواجهات أشد صعوبة، فالهزيمة اليوم ستكون مدويّة، كما أن الانتصار سيكون مدويّاً، وعلى القابعين في هذه الأيام أن يقرروا مستقبل أبنائهم .
أما أهل حلب فهم مستعدون جيداً لمواجهة مصيرهم، وسيقاتلون حتى تجفّ دماؤهم، فقد عجنوا بالبطولة والشجاعة وصقلوا بنار الإرادة والعزيمة، وستبقى مدينتهم حصن الأمة العربية المسلمة، وثغرها المنيع، ولن يُقالَ إنّها سقطت دون قتال وتضحيات تليق بها كإحدى أعرق حضارات الأرض، وأكثر القلاع صلابة على مرِّ التاريخ ..
المدير العام / أحمد وديع العبسي