إنَّ الضرباتِ التي لا تقسم ظهرك تقويك … لعلّ هذه الكلمات هي أثمن ما حمله ثوار وأهالي حلب الأحرار بعد خروجهم من مدينتهم المكلومة عقب أيامٍ عصيبةٍ عاشوها تحت وحشيّة الأسد ومرتزقته وصلت إلى حدّ تشبيهها بأنّها أيامٌ كأيام القيامة حتى غادرها الحلبيّون بيض الوجوه بعد صمودٍ وجلدٍ لم تشهده مدينةٌ منذ الحرب العالميّة الثانيّة وبقي فيها سود الوجوه يتأمّلون خطايا إجرامهم وفظاعة ما اقترفت أيديهم بأعرق مدن الشرق…
وقد وثّقوا قبح نواصيهم الذّليلة على أنقاضها بنشوة نيرون ونازيّة حرق البلد ليقتاتوا كرامةً من نصرٍ زائفٍ صنعه لهم ذلّ الاحتلالين الإيراني والروسي.
وإنّنا اليوم لا ننكر أنّ الاستيلاء على حلب عسكرياً من يد الثورة فيه من الألم ما يقضّ مضاجع أحرارها ويقطع أواصر نجواهم ولكنّها حتماً ليست النهاية.
لأنّ الانتكاسة على الطريق لا تعني سقوط الهدف فالفارق كبير لأنّ سقوط حلب لا يعني سقوط الحقّ ما دام في قلوب من يحملونه إيمانٌ به.
ما علينا فعله هو أن نستفيد من هول ما اقترفنا بأيدينا فقد كانت حلب منذ عامين حالها كحال أريافها وباقي المناطق المحرّرة مقسّمة بين فصائلها تحكمها شريعة الأنا تَجاذَبها رياح الخلافات و الأهواء الشخصيّة وقد ضاع فيها القضاء و اختفت فيها أصوات الحكماء وتخندقت في أحيائها الأجندات لتواجه بعضها بعضاً سراً وعلانيّةً في وقتٍ كانت تتهاوى فيه المناطق المحيطة بالمدينة تباعاً بيد الأسد وحلفائه إلى أن خرج الحلبيّون وقلوبهم تعتصر ألماً على ما آل إليه حالهم من تشرذمٍ وفرقة هوت بمنازلهم ومدينتهم لقمةً سائغةً في فم الأسد وأعوانه وليشاهدوا غرماء الأمس في حافلات التهجير جنباً الى جنب يراهم الضباط الروس شيئاً واحداً بينما يرون أنفسهم اثنان وثلاثة وكتائب وألوية وحركات!
وللأسف بينما كنت استقبل أصدقاء لي في المعبر كان هناك من ينادي بصوتٍ مرتفع ” فتح الشام وغيره زنكي وغيره تجمع وأحرار وعمارة.. “كلٌ وله مندوب! وتساءلت ألهذه الدرجة وصل الحمق العسكري والسياسي؟! تُجمعون من قبل عدوكم وما إن تطؤوا أرضاً غيرها تفرّقوا؟
أليس حريّاً بكم أن تنادوا يامن خذلناكم.. يامن قتلناكم. يامن تسبّبنا بجوعكم…وبردكم وشاركنا بصمتنا لقهركم ولكن الحديث بذلك يطول..
ما أودّ قوله إن ما يدور الحديث عنه لتشكيل ما يسمّى بالهيئة الإسلاميّة السوريّة ما هو إلا مخدّر ٌمؤقت لجرح السّاحة الثوريّة بعد حلب وإنّ تمثيليّتكم التي تسعون لعرضها قد فشلتم بها أيضاً بعد محاصصتكم الفصائليّة فالمطامع الشخصيّة والحزبيّة واضحة بتوزيعكم للمناصب في هذا الجسم العسكري الذي تريدون تشكيله لأن هذه المحاصصات لن تنطلي على شعبٍ قد ملّ مراهقتكم العسكريّة وبياناتكم الجوفاء.
ما تريده منكم ثورة الكرامة هو توحيد إديولوجيّاتكم ونسف أجنداتكم لتتبنّوا من جديد مبادئ الثورة وأهدافها قولاً وفعلاً ولتعودوا لفطرتها الأولى و ليس ما ابتدعتم من رايات ومصالح ألبستموها الجهاد والثورة قناعاً و إلا فإنّ دينامو دبيب النمل سيولّد الحصار والقصف الذي يليه الدفاع، والضّعف لن يقف حتى يصل الى ذقونكم وعندها لن تنفعكم راياتكم ولا شعاراتكم ولكم في حلبَ عبرة و إن كانت مُرة.
غسان الجمعة