لم تفلح محاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ضبط الجبهات في حلب، ولم تنفع الهدنة في تهجير الأهالي وإبعادهم عن أرضهم، وأمام التقدم الذي أحرزته المعارضة خلال الايام الثلاثة الماضية، خصوصا لناحية تحرير ضاحية الأسد، أطلت روسيا بإعلان “النفس الأخير”، وتمثل بتمديد وقف الضربات الجوية حتى مساء الجمعة وهدنة انسانية لـ 10 ساعات قبل عودة الضربات، في وقت يلف الغموض الموقف الدولي وينشغل الرأي العام بالانتخابات الأميركية.
ووفق صحيفة “التايمز” واستناداً إلى مصدر في أجهزة الاستخبارات، فإن بوتين سيعطي الأوامر لانطلاق الهجوم الواسع على مدينة حلب هذا الأسبوع، كاشفة عن أن بوتين سيستخدم “الوقفة السياسية” في واشنطن خلال يوم الانتخابات الرئاسية وأن بداية الهجوم مرتبطة بوصول الطراد الثقيل “الأميرال كوزنيتسوف” إلى منطقة المعارك.
وبعدما انهت المرحلة الأولى من “ملحة حلب الكبرى”، لم تكشف المعارضة بعد عن موعد المرحلة الثانية، إلا أن مصادر سورية معارضة أكدت لـ”النهار” أن “الانطلاقة ستكون ضمن الايام الاربعة المقبلة والهدف الاساسي هو كسر الحصار ومحاصرة النظام السوري”.
هذه المرة اختارت المعارضة اطلاق معركتها من غرب حلب، وهو الخيار الاصعب والأطول وفق المحللين العسكريين، لكن الفصائل المشاركة اختارت هذا الطريق لتفادي الضربات الجوية الروسية، فالمناطق التي ستمرّ بها مأهولة ومبنية، وتكون بذلك مسافة القتال (صفر) ما يعرقل عمل الطائرات الجوية التي قد تتسبب بقتل أنصار النظام وميليشياته.
وفي قراءة للتطورات الميدانية، يؤكد الناشط السوري الميداني بهاء الحلبي لـ”النهار”: “ثلاثة أيام على انطلاق ملحمة حلب الكبرى. وفي المرحلة الاولى تم تحرير ثكنة ضاحية الاسد وهي أضخم ثكنة للنظام على أسوار حلب وتليها الأكاديمية العسكرية التي باتت في مرمى نيران فصائل المعارضة، كما سيطر الثوار على ثكنة الكرتون وبلدة منيان ومناطق محيطة بها، وأصبحوا عند اسوار حلب الجديدة من الناحية الجنوبية والاكاديمية العسكرية و3000 شقة، كما انهم حرّروا الجزء المتبقّي من 1070 شقة”.
وبانتظار انطلاق المرحلة الثانية “قريباً” فوفق الحلبي “هذه المعركة ليست لفك الحصار فحسب بل تحرير المدينة، والثوار يهاجمون من الغرب حيث مواقع النظام وأحياؤه، وإن أخذوا 3000 شقة أو الاكاديمية العسكرية لن يتبقى سوى بعض الاحياء للوصول إلى صلاح الدين والعامرية، وبالتالي آمال النجاح كبيرة لأن تحرير ضاحية الاسد مهمة لم تكن سهلة فهي تحوي على 100 مبنى، وبالتالي امكانية تحرير مواقع مشابهة وارد”.
ورغم اعلان روسيا وقف الضربات الجوية إلا أن التقارير اكدت استمرارها لكن بوتيرة خفيفة، فيما يواصل النظام السوري ضرباته، وزّع المعهد السوري للعدالة احصائيات عن القصف الجوي على مدينة حلب وريفها خلال شهر تشرين الاول: عدد البراميل المتفجرة من الطيران المروحي: 134، الصواريخ من الطيران الحربي: 927، براميل يشتبه باحتوائها مواد كيماوية: 3، صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى: 8، صواريخ ارض – ارض: قصيرة المدى: 40، القنابل العنقودية: 176، القنابل الفسفورية: 16. أما عدد الذين سقطوا خلال هذا الشهر وفق المعهد فهو 328 قتيلاً، 62 منهم من الأطفال و31 من النساء.
اللواء الاردني فايز الدويري أول من تحدث عن معركة الراموسة السابقة التي أدّت إلى كسر الحصار لأيام والتراجع في ما بعد تحت تأثير الضربات الروسية الجوية، ويراقب اليوم مسار الهجوم الجديد، ففي المعركة الاولى كانت لديه رؤيا مختلفة عن التي قامت بها الفصائل.
ويوضح: “معركة الراموسة كانت الاقرب إلى كسر الحصار، لكن رؤيتي كانت أنه بعد السيطرة على الكليات والوصول إلى حيّ الشيخ سعيد (حلب الشرقية)، لا بد من تطهير 1070 شقة و300 شقة والسيطرة على معمل الاسمنت ومحطة تحلية المياه ويكون حينها عرض المواجهة 8 كيلومتر ومن الصعب حينها اغلاقها، لكن ما حصل أن المعارضة وصلت إلى الشيخ سعيد وأبقت مساحة المواجهة نحو 2 كيلموتر، فتعرضت إلى أكثر من 30 هجوما متتاليا وهجوم جوي روسي شرس فلم يستطيعوا الثبات في الارض فتراجعوا”.
وعن المعركة الجديدة يقول لـ”النهار”: “اختارت المعارضة الطريق الأصعب والمسافة الأطول، لأن المناطق امامهم مأهولة ومبنية، وتحتاج عسكريا إلى عمليات خاصة، وكل هذا يحتاج إلى ذخيرة أعلى وقوات أكثر عددا وتدريباً، ونحتاج إلى نظام إخلاء وتزويد، وكل هذه الصعوبات فقط من أجل تلافي الضربات الجوية لأن القتال يكون من المسافة الصفرية”.
ويضيف الدويري: “روسيا قالت انها علّقت القصف الجوي 17 يوما لكن التقارير تؤكد وجود طلعات جوية لكن بوتيرة أقل وان طيران الاسد لا يزال يقصف، وأسلحة الأخير غير موجهة، وبالتالي مناطق الاشتباكات ستؤدي إلى خسائر من الطرفين باستثناء منطقة اكاديمية الاسد تعتبر عسكرية واذا سيطر عليها الثوار ستكون هدفا دسماً لطيران النظام ويوقع خسائر كبيرة في المعارضة”.
طبيعة الطريق الذي اختارته المعارضة يحتاج إلى مراحل عدة للوصول إلى الهدف، ويوضح: “بعد السيطرة على ضاحية الاسد ومنيان يبدأ العمل ضمن الخط الثاني وهو خط اكاديمية الاسد و3000 شقة، وبعدها مرحلة ثالثة وهي الحمدانية الشرقية وبعدها خط جامعة حلب – سيف الدولة وبعدها الانصاري، ما يعني أن هناك مجموعة من المراحل ومن المبكر جدا ان نقول ان العملية بصورة عامة ناجحة لأنها قد تتعثر وتتوقف وتتعرض إلى هجمات جوية وبرية كما يمكن ان يُستنزف الجهد المتاح قبل تحقيق الهدف النهائي”.
و يشارك في المعركة نحو 14 فصيلاً معارضاً من غرفتي عمليات رئيسيتين “جيش الفتح” و”فتح حلب”، فالاول تضم فصائل عدة أهمها: حركة “أحرار الشام الإسلامية”، ألوية “صقور الشام”، تجمع “أجناد الشام” و”نور الدين زنكي”، أما من غرفة عمليات “فتح حلب”: “الجبهة الشامية”، “جيش المجاهدين”، “فيلق الشام”، و”جيش الإسلام”.
تعتمد الفصائل في هجماتها في شكل أساسي على العربات المفخّخة ومنها ما هو مسير، اضافة إلى صواريخ من نوع غراد وأخرى ثقيلة تطلق عليها المعارضة اسم “الفيل”، وعلى الدبابات والعربات التي اغتنمتها من النظام.
في المقابل ينعدم وجود الجيش السوري في المناطق المتقدمة، وأصبح واضحا أن المهمة اوكلت إلى الميليشيات: النجباء العراقية، لواء أبو االفضل العباس، حزب الله وميليشيات طائفية اخرى، يديرها الضباط الروس.
هل هناك قرار دولي بعدم إسقاط حلب لصالح أي من الطرفين؟ يجيب الدويري: “السياسة هي فن الكذب، وبالتالي ليس هناك من سياسي صادق، وهناك ضبابية في الافق. ويسأل: هل هناك اتفاق تركي – روسي على استعادة اوضاع ما قبل الثورة أي ان يخرج النظام من حلب وليس المعارضة؟ هل هناك اتفاق تركي – اميركي بأن سوريا الديموقراطية لا تشارك في الرقة وان تشارك القوات التركية مقابل ثمن؟ هل هناك اتفاق اميركي روسي؟ هل هناك استغلال روسي لفترة البطة العرجاء (اوباما)، هناك ضبابية في المشهد، وبالتالي تتضح الرؤيا بناء على نتائج المعارك على الارض”.
صحيفة النهار-بقلم محمد نمر