عماد إسماعيل
لو استيقظت حلب اليوم من رقادها وسألناها عن أمنيتها الأخيرة، لقالت: العنوا الأستانة؟! ولا عجب في ذلك لأنّ ما حصل لحلب من عملية حصار المدنيين وتجويعهم ومن ثم فرض الاستسلام على المقاتلين في صفوف المعارضة وإفراغ شرقي حلب من سكانها، كل ذلك كان عبارةً عن لعبةٍ خبيثةٍ جعلت كل مراقبٍ للوضع السوري وكلّ مهتمٍ بهذا الوضع يتساءل عن أسباب السقوط السريع لحلب، لكن الأسباب ما كانت لتخفى أكثر من ذلك, فحلب تم تقديمها كبش فداءٍ على مأدبة الأستانة وبدأت الحكاية كُلُّها بعد الانقلاب الفاشل في تركيا عندما أعاد أردوغان توجيه البوصلة التركية عبر إعادة العلاقات مع إسرائيل و روسيا، فكانت أولى المفاوضات التركية-الروسية تتركّز مباشرةً حول حلب و الوضع الميداني فيها، فتركيا أعطت موسكو أكثر من ضوءٍ أخضر في هذه المسألة حيث قدّمت معلوماتٍ استخباراتيّة وسحبت بعض قوات المعارضة المسلحة من شرقي حلب إلى جرابلس حيث قوات درع الفرات وحصل هذا قبل اتفاق الهدنة و إجلاء المدنيين من شرقي حلب وكانت نتيجة التعاون التركي الإيراني الروسي مفيدة جداً ومؤثرة كثيراً في انهيار شرقي حلب وسقوط حلب بيد النظام السوري فإذا ما عدنا بذاكرتنا للوراء قليلاً وبالتحديد أثناء إسقاط تركيا لطائرة روسية حينها قامت موسكو بردٍّ غير مباشرٍ عبر دعم الأكراد في الشمال السوري وبالأخص الإدارة الذاتيّة وحزب الاتحاد الديمقراطي حيث فتحت مكتب للإدارة الذاتيّة في موسكو و أيضاُ عملت روسيا على إحراق ريف حلب بالغارات الجويّة المكثّفة التي لم تسلم منها حتى شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة لكن كل ذلك لم يثنِ مقاتلي المعارضة شرق حلب ولم يضعف عزيمتهم بل بقي المقاتلون مسيطرين على شرقي حلب وفتحوا طريق الراموسة بعد سيطرة النظام على طريق الكاستيلو، كل هذه الأمور ما استطاعت إخراج المقاتلين وإخضاعهم للاستسلام لكن بعد دخول تركيا على الخط بدأ التأثير المباشر واضحاً جداً فقد طلبت تركيا صراحةً من جبهة فتح الشام-النصرة سابقاً-الخروج من حلب فوراً، هذا التحوّل في الموقف التركي أضعف المعارضة لأنّ تركيا كانت شريان الإمداد للمعارضة السورية، فحصل ما حصل، وهذا ما تمّ تأكيده من قبل الروس أنفسهم حين أكدت موسكو بأن السيطرة على حلب جاءت بمساعدة تركية-إيرانية لكن ما سرّ الموقف التركي الأخير ولماذا تمّ تقديم حلب على مأدبة الأستانة..؟!!
لعلّ السرّ نفسه يخفي أسراراً فتركيا دخلت جرابلس مقابل حلب وأبعدت الأكراد عن الباب وستبعدهم عن منبج كما اتفقت مع موسكو على إيقاف سلاح الجو السوري فوق منطقة الباب خاصةً أنّ الطيران السوري استهدف القوات التركيّة مرتين حول محيط مدينة الباب، وما كانت لتركيا أن تتقدم على مشارف مدينة الباب لولا الضوء الأخضر الروسي كما تحاول تركيا جاهدةً إبعاد الأكراد عن محادثات الأستانة وكل هذا السخاء لتركيا من قبل الروس والإيرانيين ما كان ليحصل بأقلّ من حلب ثمناً له.
وهنا برز الخطر الأكبر في محادثات الآستانة ألا وهو غياب الدور العربي المتمثل بدول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، فكيف سيتمّ نقاش مسألةٍ مصيريّة لدولةٍ عربية بغياب كل العرب؟؟؟
وكيف تحصل كل هذه التفاهمات من حول السعوديّة وهي ساكنةٌ لا تتحرك؟؟؟!!
هذا الغياب العربي والغياب الأمريكي المتمثّل في مرحلة نقل السلطة من إدارة أوباما إلى إدارة دونالد ترامب يجعل من الصعب التفكير بنجاح محادثات الآستانة لكن الجانب الوحيد الذي ستنجح فيه هذه المحادثات هو إحضار تركيا وإدخالها محور إيران وروسيا وهذا هو لبّ الموضوع، أن يجعل الروس من تركياً لاعباً أساسيّاً بعد ما كانوا لاعبين من الخلف وبالتالي تضخيم الدور التركي حتى من قبل الإعلام الروسي على حساب الدور العربي ولكن كل هذه الجلجلة ومحادثات الآستانة واتفاق وقف إطلاق النار الذي صاغه الروس و الأتراك، كل هذه الأمور تدور في متاهاتٍ وحلقاتٍ مفرغة فمحادثات الآستانة ليست سوى مسكّنات لا ترقى لمستوى العلاج النهائي لأنّ الحل النهائي للوضع السوري أكبر بكثير من تركيا وأبعد بكثير من علاقة روسيّة-تركيّة أو تفاهم إيراني-تركي، الحلّ النهائي لابدّ أن يكون أمريكياً-روسياً حصراً لأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تترك الأمور هكذا ولن تقبل بحلٍّ للوضع السوري دون موافقتها أما تركيا فقد جازفت بكل شيءٍ من أجل بعض الشيء وهذا البعض قد لا تحصل عليه نظراً أن الروس والإيرانيين لا ضامن لهم في العلاقات الدولية، لذلك تركيا الآن تجازف بعلاقاتها مع العالمَين العربي و الإسلامي و أردوغان سيكون في موقفٍ صعبٍ جداً قد ينهي زواج المتعة التركي الروسي الإيراني حين يقع أردوغان بين خيار العالم العربي والإسلامي وبين إيران والمحور الشيعي، وهنا بيت القصيد.