يوسف القرشييوقظني ضجيج الأمنيات منتصف اللّيل من نوم لا يلد غير الكوابيس، أبحث فيما حولي عن هدوء يبدّد تصوراتي التشاؤميّة لكن لا وجود.ينقبض قلبي بينما ألتقط المحمول من جانبي: يا ترى هل تبقى فيه شحن يسعفني القدر به فأتصفح مواقع الأخبار؟ يا ترى هل لا زال للإنسانية نبض؟ لكن لا وجود.لا تتعجب يا صديقي ففي حلب لا مكان للموجودات، بل الموجودات فيها جريمة في نظر العالم بحد ذاتها.يعظم الغمّ بتتابع الأنفاس التي تهمس لفؤادي محذرةً أنّ عدمها قد اقترب، أمكث في ذاك البرزخ حتى يصلني أذان الفجر وقد كاد ألّا يُسمع خوفاً وفقراً.هنا يسكن الفؤاد ويرتاح، فأنهض بعزيمة الصابر لأتوضأ، أستخدم من الماء المر أضأل مقداراً للوضوء خوف التبذير، أتطيّب ثم أخطو خارج المنزل بادئاً رحلة حياةٍ أو موت.قذائفٌ حاقدةٌ تضرب ما حولي كأنّها مطرٌ منهمر يبغي الانتقام من إنسانٍ تشبث بأرضه، أهرول خائفاً أترقّب قاصداً بيت الأمان، يحتضنني المسجد أخيراً كي أرسل فيه دعواتي لأجل الرحمة والسلام.إنها حلب، قبيل أن نغادر يلتفت إلينا إنسانٌ قد ترك النور بصمةً على وجهه ليعطينا موعظة ” دخلت امرأة النار في قطة حبستها فلم تطعمها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض”.يمتلئ قلبي رحمةً وأنا أسمع، في حين تزداد معدتي جوعاً فأهمس لنفسي: هل باتت القطة أحق بالرحمة منا نحن؛ أهل حلب؟تطلع الشمس متسترةً بالغيوم الحمراء يدفعها الخجل، لم أعد أتحمل فأقصد السوق متأملاً مع علمي أنّه ليس من أمل؛ لكنّه الجوع.لا أسمع غير أنات طفلٍ مكبوتة فأقترب، فإذ بي أمام وجه ملائكي قد خطت الدموع القصص المأساوية عليه.” عمو، ماذا تفعل هنا فالوضع خطر؟ قم واذهب إلى البيت.” لا، فالماما قالت لي: انتظر هنا، لأننا سوف نهرب إلى ذلك الطرف”.” نعم، ولكن لماذا تبكي؟”” لا أريد أن أترك بيتي يا عمو؛ لأنني تعودت عليه”لم أعرف بما أجيب فاكتفيت بالمراقبة، لكن فجأة بدأ وجه الطفل يتمخّض عن ابتسامةٍ منكسرة وكأنّ الحياة قد اهتدت طريقها إليه.(صحيح يا عمو أنه يوجد هناك خضرة وأكلات ولحمة؟)نعم، صحيح هذا الحكي.(يعني تلك هي الجنة التي تكلموا لنا عنها؟) شعرت أن الزمن يتوقف ها هنا، وقلبي تخترقه رصاصةٌ حارقة لم أكن لأعلم أأصابت جسدي أم روحي، كل ما علمته أنّي ودّعت الحياة هناك وأنا أقول:” بل هي جنة الدجّال يا ولدي، بل هي جنة الدجّال”.