محمد العباس |
يجول (أنور الخضر) البالغ من العمر(25عامًا) في شوارع مدينة (سلقين) والجمعيات الخيرية؛ بحثًا عن علبة حليب تناسب ابنته الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها الخمسة أشهر، حيث لم تتمكن أمها من إرضاعها بسبب الأوضاع والخوف وأسباب خاصة أخرى.
وقال (أنور) في حديث خاص لصحيفة حبر:” إن تأمين علبة الحليب في هذه الأيام أصبح أمرًا بغاية الصعوبة، ولم يعد الشخص العادي متمكنًا من شراء علبة حليب واحدة يبلغ ثمنها 15 ألف ليرة سورية، إن وجدت، وهي لا تكفي سوى 3 أيام فقط.”
وأضاف الخضر في حديثه وشكل وجهه يشير إلى حرقة قلبه من الوضع الذي أصبح مذرياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى:” تحتاج ابنتي 10 علب حليب في الشهر، ولا أملك دخلًا فأنا مصاب حرب ووضعي الصحي لا يسمح لي بالعمل الشاق، أعمل على تأمن سعر العلبة من المساعدات ولكن أجد صعوبة كبيرة في إيجادها في الصيدليات الخاصة والجمعيات الخيرية التي تقدم هذا النوع من المساعدات، طفلتي جائعة وأنا حائر بين جشع التجار وصعوبة تأمين الحليب.”
غالبية الصيدليات التي زارها (أنور) تفتقر لمادة حليب الأطفال، وإن وجدت فهي بأسعار عالية جدًا، ولا يتوفر في السوق إلا بضع أنواع من الحليب التي قد لا تناسب جميع الأطفال والأعمار، حسب قوله.
بينما قال (أحمد الرضوان) وهو مدني يسكن في مخيمات الشمال: “نتيجة الظروف المعيشة الصعبة التي نعانيها في المخيمات وغلاء مادة الحليب، أصبحنا نعطي الطفل اليانسون ومادة النشاء عوضًا عن الحليب، ونناشد المنظمات والفرق التطوعية أن ينظروا في حال الأطفال وأن يكونوا عونًا لهم.”
سبب الأزمة ومدتها
انقطاع مادة الحليب مشكلة شائعة وكبيرة في المناطق المحررة، وهي بسبب إغلاق المعابر وعدم وجود منافذ أخرى يتم إدخال مادة الحليب منها، كسائر اللوازم الطبية والأدوية، كما أن الإتاوات وفرض الضرائب الكبيرة التي يدفعها المهربون للمادة من مناطق مختلفة، جعلها بسعر عالٍ، كما أن سعر صرف الدولار جعلها ترتفع بشكل كبير بالنسبة إلى دخل المواطن، وهذا ما قاله الصيدلي (بشار ديبان) عن فقدان وغلاء المادة المذكورة.
وأضاف (ديبان) أن “فقدان مادة الحليب تزامن مع فقدان الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى، وما يوجد في السوق الآن هو مخزَّن من تجار الاحتكار في وقت سابق، وكل هذه العوامل تزيد من معانات المواطن في الحصول على مادة الحليب.”
دور المنظمات في تأمينها
(مالك أبو عبيدة) مدير المشاريع في فريق الاستجابة الطارئة، يقول: “نعمل على تأمين هذه المادة في أغلب الأحيان من التجار الذين لم يتمكنوا من تصريف بضاعتهم وتم تخزينها لمدة طويلة، وقبل انتهاء مهلة الصلاحية بفترة، يقومون بتوزيعها على الفرق والمنظمات لتوزيعها على المواطن، أو عن طريق تبرعات داخلية أو خارجية، وأحيانًا نشتري علب حليب بأسعار باهظة من التجار ونوزعها ضمن برنامج محدد.”
وأضاف: “نبحث عن الأطفال المصابين بسوء التغذية، ونعمل على جلب تبرعات وشراء علب حليب وتقديمها، هذا ما نستطيع تقديمه ضمن الفرق التطوعية أو المنظمات الإنسانية.”
وعن الموضوع نفسه، قال (حسام جعار) لوجستي وإعلامي سابق في جمعية (بشائر الخير): “مادة الحليب مهمة جدًا وهي من أفضل المشاريع التي يمكن العمل عليها؛ لأن المستفيد هو طفل غير قادر على تحمل الجوع ويعيش في ظروف حرب وحرمان من كل شيء، أتمنى من الجميع العمل على مثل هذه المشاريع.”
بدائل غير مجدية والحاجة هي السبب
سبق أن تحدث (أحمد الرضوان) عن معاناته، وقال: إنه يقوم بإعطاء الطفل اليانسون والنشاء عوضًا عن الحليب، وشوربة الرز، والبطاطس المسلوقة، والماء والسكر، وهي فقط تسكت الطفل عن البكاء.
بينما قال (فراس درويشو): “إن المكملات الغذائية المتوفرة هي الحل الوحيد، والسيريلاك والأرز الطبي أحد الحلول.”
إن مشكلة فقدان (حليب الأطفال) يعاني منها الكثير وتتسبب في ارتفاع منسوب الجريمة والسرقة من قبل الأهالي لتأمين الحليب لأطفالهم، فهي معاناة جديدة تضاف إلى معاناة الحرب ومرارة النزوح لبعضهم.