علي سندة |
املك ما استطعت من الدنيا، لكن الله مالك يوم الدين، جملة تتلوها على الأقل في صلاتك خمس مرات يوميًا، تُذكرك أن الدنيا فانية وأن الآخرة باقية، لكن العِبرة غائبة، فما السبب؟!
يحدث أن الإنسان يريد البدء في تأسيس حياته، فتكبر أحلامه ويسعى إلى تحقيقها، فالطالب يدرس ويجتهد لأجل حلمه، وعندما يلتمس ضعفًا في مادة ما يلجأ إلى الدروس الخاصة ووضع دورات تقوية كيلا يكون موضع الضعف حجر عثرة تحول بينه وبين حلمه، وكذلك العامل يسعى لتطوير عمله فإن كان محتاجًا لتكلم اللغة الإنكليزية على سبيل المثال ينكب على دراستها ليل نهار كي تكون سببًا في ترقيته بالعمل، وكذلك الجميع على اختلاف اختصاصاتهم وماهية عملهم.
إن الاجتهاد في أمور الدنيا والسعي لتحسين واقع الإنسان الشخصي ليس محرمًا بل هو جهد مبرور ومشكور يدخل في باب إعمار الأرض، لكن المشكلة تكمن في جعل الدين شيئًا ثانويًا نظرًا لسطوة الدنيا وسحبها للإنسان، لدرجة صار تعامل المرء مع الدين على أساس مسلمات موجودة لديه، فهو يعلم أنه مسلم وعليه واجبات لكن ليس وقتها الآن كونه في مرحلة بناء وتكوين يزينها الشيطان دائمًا له ويجعلها أولوية، فالدين يصبح عنده ليس كالعمل الذي يحتاج تمايزًا بالقدرات وتفاضلًا بين الناس لانتقاء الأفضل، وبهذه النظرة يقتصر المرء في أحسن أحواله على تأدية فروض الصلوات الخمس.
وعندما ينتبه لنفسه، ويلتمس تقصيره مع الله عزَّ وجل، يسأل نفسه: لمَ لا أستطيع الوصول إلى الله؟ لمَ لا أصل باللذة الإيمانية كما يصل فلان وكما سمعت يومًا من الشيخ فلان عن لذة القرب من الله والعبودية؟
تكمن الحقيقة أنه لم يبحث عن جهد للوصول إلى أبواب الدين واليقين ولم يتخذ الأسباب لذلك، كما بذل في الوصول إلى أبواب الدنيا التي من أجلها سجَّل في دورات التقوية، وتعلم مهارات شخصية تعينه على إدراك أهدافه، لم يحصل أن فكر يومًا بتطوير معرفته الدينية، لا سيما الحديث النبوي، أو الأذكار، أو حياة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، أو ربما الصلاة التي أخذها بالتقليد غالبًا ولم يقرأ عنها أو يحضر درس علم فيها.
أقول ذلك مفترضًا أننا نعيش في ظروف عادية لا حرب فيها ولا قتل، لكننا لسنا كذلك، إذ نعيش في حالة الحرب منذ أكثر من تسع سنوات، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما ورد في الصحيحين: “العباد في الهرج كهجرة إليَّ”. فما أحوجنا في زماننا هذا إلى العبادة فضلًا عن باقي الأزمنة! ما أكثر الهرج الذي نعيش وما أحوجنا للهجرة إلى الله!
إن النية تحرك القلب، ويلزمها العمل والسعي، والتخلص من آفات القلب أمر ليس سهلًا، فالصحابة رضوان الله عليهم كما ورد، كانوا في كل عام يجتهدون في دعوة واحدة فقط، كدعوتهم لنيل الرضا بما قسمه الله لهم من رزق أو ولد أو..، وربما سبب اقتصارهم على دعوة واحدة والعمل بها يوميًا على مدار سنة ثم العمل بدعوة أخرى، أن التكرار يورث التذكير وعدم الإغفال عن الله في زحمة الانشغالات اليومية وحاجات الإنسان التي لا تنتهي، ولمعرفتهم أن التخلص من آفات الدنيا يحتاج جهدًا كبيرًا من نوع خاص، وحسبنا لو فعلنا كما فعل الصحابة من قبل.
إذًا الحل يكمن في الاجتهاد للآخرة وإعطائها من الأهمية كما تُعطى الدنيا، فالرجوع إلى الله يحتاج جهدًا وبرنامج عمل يضاهي برامج التقوية في العمل الدنيوي، لأن معرفة أن الدنيا فانية تتطلب معرفة ما بعدها وهي أن الآخرة باقية خالدة، وبالتالي يجب العمل وبذل الجهد لما هو باقٍ وليس للفناء، لمن نردد يوميًا بأنه “مالك يوم الدين”