عبير علي حسن |
العلاقة السلبية بين (الحماية والكنة) ظاهرة متفشية في المجتمع، تحمل أضراراً اجتماعية خطيرة تؤدي إلى التفكك اﻷسري، وربما تكون سببا للتفرقة بين الزوجين. محاور هذه الظاهرة ثلاثة: الزوج (الابن)، والزوجة (الكنة)، وأم الزوج (الحماية). المفترض من الزوج أن يكون مُمْسكاً بزمام هذه العلاقة ومُنظِّماً لها في حدود المعقول، وذلك بمراعاة الطرفين وعدم تغليب شخصية إحداهما على الأخرى، وإن غياب دور الرجل أو سلبيَّته يزيد الطين بِلة! كأن يطمس مثلا شخصية زوجته بوجود أمه التي تجعله طوع أمرها بحجة رضاها وكسب ودِّها، ممَّا يجعل الزوجة تُكِنُّ لها الضغينة والعداء لهما معا إذا شعرت أنهما طرف واحد وهي وحدها في مقابله، وكذلك أن يهمِّش أمه ويهمل رأيها فيشعرها بالغيرة من كنَّتِها، لطالما كانت هي المرجع اﻷول لابنها وسرعان ماتبدل حالها بعد زواجه، فيتولد خلاف حاد بينهما لتبدأ الردود باﻷمثال الشعبية القديمة على أنها حكم ومواعظ، لم يقلها اﻷجداد عبثا! (أهل أول ماتركوا شي ماقالوه) هذه العبارة بمثابة الإحماء قبل المباراة ، فخلافهما كما يقال خلاف أزلي، والحماية سألوها أما كنتِ في سابق عهدك كنة؟ فقالت: “كنت ونسيت!” وكذلك الكنة قيل لها ستصبحين يوما ما حماية، فقالت: “رح سوي كنتي لفاية”، وتوجد عبارات أخرى قالها اﻷجداد، لاتزال تتردد على ألسنتنا حتى اليوم، فهي مصدر قوة لقائلها وربما تأخذ دور الحكم العادل! فالحماية في وصفها لحقيقة الكنة تقول:( الشيطان متلبّس الكنة،ضحك علينا وغطى راسو بالحنة)، وإذا غاظها حديث كنتها تقول:( ياكنة مين سواك غير جوزك وبيت حماك). التناقض الذي تعانيه الحماية أمر مضحك مبكٍ (بتقول لبنتها قربي من جوزك دفيه ولكنتها ولك يبعتلك حمى بعدي عن ابني خنقتيه)، وأما الكنة فلديها قناعة أزلية سرمدية ترددها عقب كل خلاف: (مكتوب ع باب الجنة بعمرها حماية ماحبت كنة)، و(الحماية مابتحب الكنة لو كانت حورية من الجنة!).
الحرب بين الحماية والكنة فقاعة هيَّا نفرقعها ونرتقي إلى معالي الرفعة والصفاء. نبدأ من حديث النبي عليه الصلاة والسلام: {أكمل المؤمنين إيمانا، أحسنهم خلقا} ، ليس في الشرع مايدل على إلزام الزوجة أن تخدم أمَّ زوجها إلا في حدود قدرتها بالمعروف، وذلك إحسانا لعشرة زوجها وطريقة لجلب مودته، وقد جاء في حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أن:{المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها} تحفظ ماله وعياله ونفسها وبيتها في حضوره وفي غيابه، وإن أمَّ الزوج مقصودة مع اﻷولاد بعياله فهو مسؤول عنهم جميعا ، وخدمتها والقيام على رعايتها من برِّ الزوجة لزوجها، ومما يجب عليها أن تراعيه في معاملتها مع أمِّ زوجها الاحترام والعفو والصفح، فلا تُبادِئها السخرية والذم، ولا تبادلها إن بدا منها ذلك، ويجب أن تظهر لها السرور وتحبِّب اﻷولاد بها وتحثُّهم على طاعتها ، في المقابل على أمِّ الزوج أن تعي حقيقة أن كنّتِها قد أصبحت من أقاربها ولها عليها حق، يقول سبحانه وتعالى:”وآت ذا القربى حقه”.فهي زوجة لابنها وأم ﻷحفادها فعليها أن تحبها كما لو كانت ابنتها حقا، فتهتم لمشاعرها وتحزن لحزنها وتفرح لفرحها وتقف معها لا عليها. أما الحلول التي يطرحها مرضى المجتمع بالمباعدة بينهما بالسُكنى وتقليل الزيارات وتفادي المكالمات، فشأنها كشأن الأمثال تلك، لا يُعتدُّ بها، ولا يؤخذ بحكمها قولاً واحداً، ويكون الحل اﻷمثل الذي يرضي الطرفين معا هو حقيقة الانتماء، أن تنتمي الزوجة ﻷم زوجها فتعاملها كوالدتها “وبالوالدين إحسانا”، فإن النفوس جُبِلَت على حب من أحسن إليها، فتحصل الزوجة بذلك على حبِّ أم زوجها ورضاها، وتعيشان حقيقة عائلية ثانية ابتكرها فن الإحسان وحلاوة اللسان وتغلقان الكيس على فن التدليس الذي حيَّر إبليس.
الفقاعة الكبرى تمت فرقعتها بنجاح، وبابتسامة كلا الطرفين، ونحن أيضا، حسنا لقد كان ذلك سهلا! شكرا أيها الإسلام.