محمد نور حمدان |
لفت انتباهي منذ أيام منشورًا على الفيسبوك يتحدث عن كتاب تحرير المرأة (لقاسم أمين) الكتاب الذي أثار ضجة كبيرة عندما صدر عام 1899، فعزمت على قراءة الكتاب والاطلاع عليه بعين الناقد الباحث.
بداية لا أخفي أنني سمعت عن الكتاب كثيرًا، وسمعت أن مؤلفه عندما أصدره أحدث ضجة كبيرة، فهو يدعو إلى تحرير المرأة والتشبه بالمرأة الغربية الأوروبية، ومن خلال سماعي هذه المعلومات كونت انطباعًا سلبيًا عن الكتاب وعن المؤلف، إلا أن خاطرًا خطر لي أن أقرأ الكتاب بعين الناقد للأفكار التي وردت في الكتاب، لكن بعد قراءتي عزمت على عرض الأفكار الرئيسة في الكتاب بحيادية دون تعصب أو ميل ليستفيد منه كل قارئ وكل باحث.
عرض الكتاب: الكتاب يتألف من 120 صفحة، يتحدث فيها عن موضوعات مهمة بالنسبة إلى المرأة وهي: (تربية المرأة – وحجاب المرأة – والمرأة والأمة- والعائلة.)
السياق الزمني للكتاب: لا يخفى على أحد أن السياق الزمني للكتاب جاء في وقت ضعف للمسلمين، فقد كان المسلمون يعانون في ذلك الوقت من هزات عنيفة كثيرة ومن ركود وجمود فقهي كبيرين ومن اضطرابات سياسية واقتصادية ومجتمعية وفكرية.
هدف الكاتب: من خلال القراءة تبين أن هدف الكاتب أن يميز بين العادات والتقاليد التي كانت سائدة في ذلك الوقت بالنسبة إلى المرأة، وما نتج عن تلك العادات والتقاليد من ظلم للمرأة وبين الأحكام الفقهية التي تعتمد الرجوع إلى مصادر الكتاب والسنة وفهمها فهمًا دقيقًا ومقاصديًا بالاعتماد على أقوال الفقهاء وإعمال الفهم والعقل فيها.
نبذة عن الكتاب: يدور الكتاب حول قضية رئيسة هي (قضية دور المرأة المسلمة في المجتمع المسلم) وقد أوضح الكاتب أن العادات والتقاليد التي سادت في ذلك الوقت كانت سببًا في تخلف المرأة، وهذا التخلف أسهم في تخلف المجتمع المسلم وأن هذه العادات والتقاليد لا علاقة لها بالدين الإسلامي.
ولقد تحدث عن قضايا شائكة كانت في عصره وأهمها:
(قضية الحجاب): الموضوع القديم الجديد الذي لا ينتهي بين المسلمين، حيث عرض أقوال المذاهب الفقهية في المسألة التي تبين أن الوجه والكفين ليسا بعورة من خلال تفسير الآيات القرآنية التي تتحدث عن الحجاب، وتحدث عن الفتنة وعدها أمرًا غير منضبط.
وفي الحقيقة عرض المؤلف في هذه القضية كلاما متزنًا منصفًا علميًا واعيًا، ربما كان هذا الكلام في زمانه أحدث صيحة ضخمة ضد العادات التي كانت سائدة، إلا أن اٌقواله في الموضوع لم تخرج عن كلام الفقهاء والمذاهب الفقهية، وقد تبناها الفقهاء في القرن العشرين عندما شهدت الساحة الإسلامية نهضة فقهية لا يمكن أن ننكرها، وشهدت فقهاء ومجددين كبار أغنوا الساحة الفقهية والفكرية، وأعتقد أن أقوال هؤلاء العلماء كانت أكثر انفتاحًا على قول (أحمد أمين) لكن كما ذكرت السياق الزمني كان له أثر كبير على كلامه.
(قضية التعدد): ثم تحدث الكاتب عن قضية التعدد التي أخذ فيها رأيًا مختلفًا عن جمهور الفقهاء وهو أن التعدد لا يكون إلا لحاجة أو لضرورة، وقد عرض المؤلف وجهة نظره بسلاسة علمية منطقية معتمدة على النظر في آيات التعدد ومُستندًا إلى بعض النصوص الفقهية في المسألة.
(قضية الطلاق): ثم تحدث الكاتب عن قضية الطلاق، وبين أن له فيها رأي خاص، وهو أن يكون الطلاق في المحكمة بوجود شاهدين بعد أن أنكر على المجتمعات المسيحية عدم وجود الطلاق عندهم، فالطلاق حاجة وضرورة إلا أنه أبغض الحلال عند الله، وقد أيد قوله ببعض المنقولات الفقهية وعرض لقضية أن يكون للمرأة حق فسخ النكاح إن خافت من زوجها الضرر وهذا أمر لا خلاف فيه عند الفقهاء.
(نقد الكتاب): مما يؤخذ على المؤلف تأثره بالمرأة الأوروبية في ذلك الوقت، إلا أن هذا يجب أن نلاحظه في السياق الزمني للكتاب، فقد كانت أوروبا في ذلك الوقت في بداية عصر نهضتها وفي أوج قوتها بالمقارنة مع حال المسلمين خاصة في مصر، إلا أن عجبه بالمرأة الأوروبية لم يجعله مُتأثرًا بنظرياتهم في تحرر المرأة عن طريق العري، بل نقد في مواضع كثيرة النظريات الأوروبية في موضوع الطلاق وبناء الأسرة وأشاد بالأخلاق والقيم الإسلامية، وعجبه بالمرأة الأوروبية كان من خلال نظرته أن المرأة تشارك الرجل في النهضة الأوروبية الحديثة، وأن السبب في النهضة الأوروبية هو التخلي عن العادات والتقاليد السلبية في المجتمع وإعطاء المرأة دورها في بناء المجتمع، فالمرأة هي نصف المجتمع وإن عطَّلنا دورها فنحن عطلنا نصف المجتمع، وقد استدل على كلامه بنساء النبي صلى الله عليه وسلم ودوروهنَّ في بناء المجتمع.
ختامًا تحدث عن نقاط مهمة في دور المرأة المسلمة وعن أهمية تثقيفها والاهتمام بتعليمها، وقد واجه العادات والتقاليد الفاسدة السائدة في ذلك المجتمع، ومواجهتها ليس بالأمر السهل في جميع المجتمعات، فهو وقوف في وجه التيار وأمام العاصفة، وقد كان منضبطًا في القرآن والسنة وفهم الفقهاء ولم يخرج عنهم إلا أنه خرج عن الفهم الواحد والتعصب الذي كان سائدًا في تلك الفترة.
أشجع على قراءة هذا الكتاب؛ فهو يجيب عن قضايا قديمة جديدة لا تنتهي وماتزال إشكالية في كثير من مجتمعاتنا المسلمة بخصوص المرأة ودورها في بناء المجتمعات، صحيح أن الكتاب قديم وعمره أكثر من مئة سنة، إلا أن الأفكار لم تتغير بالنسبة إلى الكثير من المسلمين حول قضية المرأة وماتزال القضايا نفسها تطرح لكن مع تغير في الأسلوب والطرح، حيث كان هذا الطرح خروجًا عن المجتمع والتدين الشعبي في عصر (قاسم أمين) رحمه الله.