ماهر أبو مصعب
خلق الله تعالى الإنسان، وزرع فيه الرغبة في التطور والتجديد والسعي إلى ما يسهل له طرق العيش ويحقق له أهدافه بصورة أفضل وجهد أقل، كما خلق فيه القدرة على العمل والإنجاز الذي لا تستمر الحياة بدونه؛ ﻷنَّه مرتبط بمعيشة الفرد واستمراره.
وإنَّنا لو مررنا بالتاريخ الإنساني لوجدنا بصمة الأمم فيه، ورأينا شواهداً على آثارهم ومقتطفات من فكرهم، إﻻ أنَّنا نعلم جيداً أنَّ أرقى الحضارات التي نشأت كانت في ظلِّ الثورات الفكرية وتحت جناح العلم والقلم مروراً بالحضارات الإسلامية ووقوفاً عند الحضارة الغربية اليوم؛ إذ إنَّنا لا نستطيع أن ننكر ما وصل إليه الغرب من تطور في شتى مجالات الحياة، إنَّما ننكر تلك المفاهيم الرديئة التي تربطهما كأنَّهما توأمين وُلدا ملصوقا الرأس معاً وسيموتان معاً يوم تموت الدنيا.
وإنَّك لو أردت أن تتحضَّر يوماً فلا بدَّ من أن تصبح غربياً بأفعالك وعاداتك ومبادئك، وكأنَّنا أمام خيارين لا ثالث لهما أن نتحضَّر فنصبح مثلهم جملة وتفصيلاً، أو أن نبقى في عداد المتخلفين والمستضعفين، صحيح أنَّنا لم نرَ من حضارة الغرب إلا وجهها اﻷسود ويدها الحمراء الملطخة بدماء أبرياء العالم وتقدمها القائم على أنقاض تخلف أمم اﻷرض، لكن هذا لا يعني أن نشتم التقدم ونمقت النهضة؛ ﻷنَّ من نالهما شعب أو إنسان غير ذي سواء، فنقدنا للغرب باسم حضارته بات يرقد في عقول البعض نقداً للحضارة نفسها، وبات يوحي إليه أنَّه لو بقي على ما هو عليه من راحة الكسل والتخلف ولذة النوم والطعام خير له من أن تدنسه النهضة فيرجع صفر اليدين ويخسر آخرته بدنياه، كما أنَّ التغني بها بات يوحي للبعض اﻵخر أنَّه عاجز في هذه الحياة لا يقدر على شيء فيما أصبح يسمى ”عقدة النقص من الغرب”.
وهكذا نكون أمام طرف متخلف راضٍ عن نفسه بأنَّه ما زال حياً يأكل ويشرب، ويوحي له تحلله من أعباء الحياة بأنَّه سيد العالم، وآخر يرفل في نعيم الحياة ولذة التفكير والإنجاز، ومسرور لنسبة التطور إليه، وراضٍ ﻷنَّه لا أحد ينازعه سيادته على وجه هذه اﻷرض.
عذراً أنا لا أربط المسلمين بالتخلف، إنَّما أريد أن أقول: إنَّ هذا الربط في عقول الكثيرين لا ينفك إلا بالعمل الدؤوب على تغيير الواقع الذي انبثق منه، وتوجيه الطاقة البشرية الهائلة للعمل بما يغير واقع أصحابها ويحل مشاكلهم ويمهد لمستقبلهم المشرق.
إنَّ الحياة الحرة الكريمة حقٌّ لكل إنسان على وجه البسيطة وليست حكراً على أحد إلا على من يظنُّ أنَّه خلق للشقاء والبأساء وحقه من الحياة أن يحياها كما يريد له محتكرو الحياة وسالبو الحقوق وقاتلو الإنسانية أيًّا كانوا.
هي حقٌّ ﻵخر اﻷبناء كما كانت حقاً لأبيهم اﻷول، حيث أخذوها عنه بالوراثة، وإن شئتم عرفوها بالفطرة.
إنَّ التقدم في هذه اﻷرض مستمر ما استمر ليلها ونهارها؛ ﻷنَّ الله استخلف الإنسان فيها ليبنيها بالجد والاتقان ويعمرها بالخير والإحسان، وينشر في أرجائها عدوى العمل المثمر لتستمر عجلة الحياة، وكما قيل قديماً ما تأخر من بدأ.