روعة ناعس |
الوقتُ بطيء، وما العمرُ إلا ساعاتٍ من الألم تنقضي. لا أذكرُ جيداً ما الذي يدفعني كل صباح لأن أكون بكل هذا الصمود؟! ربما يجب عليّ أحياناً أن أنكسر لأواكب سيل هذه الحياة القاسية.
ساعات أتجرع مُرها كل يوم في مدينتي إدلب، وما ظني فيها إلا كل أمل بالحياة.
“حياة” هو اسم ابنتي المنتظرة، ربما شاء الله لي أن أكون أمّا بعد أن سِرتُ على أقدامي مشيًا وهرولة قاصدة كل طبيبة وقابلة بعد تسع سنين زواج، وخمسين إِبرة، وسبع وتسعين علبة دواء أو يزيد.
وربما تتلخص معاناتي كلها بكلمة “عقيم”. بداية الأمل الحقيقي بعد كل هذا العناء هو بدء حملي الذي حصل كمعجزة لي، لكنه لم يكمل شهوره التسعة إلّا وجسدي كله منهك ومتعب.
أمَّا بداية المخاض، فإنه وحده كفيل على المرأة العادية أن يجعلها تشعر بالموت، فكيف والموت يحيطُ بنا هنا في بلدتي “سرمين” تلك البلدة التي كتب الله لها أن تكون ضمن الأراضي المحررة في مدينة “إدلب” مدينة العز والكرامة.
وقد شاء الله أن يكون نهاية حملي تزامناً مع قصف لكل الريف المحرر في إدلب، وأن يدب الخوف بي من كل حدب وصوب، فصار دمي يغلي والطفلة المنتظرة تركل بكل ما استطاعت من قوة جسدي المتعب.
ولادة حياة كانت أشبه بساعة الصفر، كنت أصرخ كثيراً، وما إن دخلت غرفة الولادة في مشفى التوليد في “سرمين “حتى هوى الصاروخ.
كل شيء هنا صامت، حتى روحي، لا أعلم حجم الكارثة التي وقعت علينا في تلك اللحظة، ولا أعلم ما حلّ بزوجي الذي ينتظرني في الخارج أهو حي أم ميت؟ فقط ألمٌ يعتصر الفؤاد.
أنظر إلى الطبيبة وهي مختبئة خلف طاولة كبيرة، وأنا ملقاة على الأرض أتلفظ بالتشهد كثيراً وطفلتي تريد الخروج. حائط منهار هنا لا يفصلني عن الشارعِ سوى أصوات سيارات إسعاف كثيرة.
قلبي يدق سريعاً، صرخة عالية، وضوء خفيف من الأمل يلوح لي، طفلتي تخرج، والطبيبة تأتي إلي زحفاً لتأخذ طفلتي في أحضانها، وتتشهَّد كثيرًا في أذنيها الصغيرتين وتبكي.
وُلدت حياة، ووُلد معها الأمل بالحياة من جديد في هذه المدينة التي تعيش ساعات الصفر الأخيرة من قصف وقتل وتدمير ..