سلوى عبد الرحمن
إذا رأيت صورا لأشلاء متناثرة في الشوارع وتحت ركام البيوت، وفي الأسواق والمساجد، فاعلم أنَّها في حلب، وعندما تسمع عن عائلات دفنت بأكملها تحت الدمار، فاعلم أيضا أنَّها في حلب، وحين تبتلع الحرب الحياة فتأكد أنَّها في سوريا حيث تباد الإنسانية.
منذ أسبوعين تقريبا وطائرات النظام السوري تكثِّف من غاراتها بالبراميل المتفجرة على أحياء حلب وسكَّانها، وعلى المشافي والأسواق، مجازر يومية ترتكبها قوات الأسد بحق الأبرياء على مرأى ومسمع العالم الذي يقف متفرجا عاجزا لوقف نزيف الدم فيها، ولا حلَّ سوى التنديد والاستنكار.
أبو ياسر أحد سكان حي السكري يروي قصة جاره أبو أحمد: “خرج أبو أحمد صباحا إلى عمله، وعندما عاد لم يجد أحدا من أفراد أسرته على قيد الحياة، زوجته وأطفاله الثلاثة دفنوا تحت ركام منزله بعد إلقاء الطائرات الحربية برميلا متفجرا على الحي، أبو أحمد بحالة سيئة منذ ذلك اليوم، فهو يجلس وحيدا صامتا لا يكلم أحدا”.
أمَّا في حي الفردوس فيبدو المشهد وكأنَّه من يوم القيامة بعد إلقاء براميل متتالية حسب ما تظهر الفيديوهات والصور، جثث وأشلاء تناثرت هنا وهناك، وبعضها لم تُعرف هويتها بسبب التشوه الكبير، ونساء خرجن بلباس الصلاة أو أي قماشة تستر رؤوسهن باحثات عن فلذات أكبادهن، ورجال أبوا طول السنين أن يبكوا، إلا أنَّ المصاب عظيم، لعلَّ أحدا يسمع نداءهمواستغاثاتهم.
وفوق كومة من الحجارة حيث انهار بناء بأكمله، اجتمع العشرات من سكان الحي حول رجال الدفاع المدني الذين يحاولون انتشال الضحايا، وفجأة تعلو أصوات التكبير، ويتمكن العناصر من إخراج طفلة صغيرة ما تزال على قيد الحياة.
حملات ومواقف على مواقع التواصل الاجتماعي لا تتعدى سوى تغيير الصورة إلى اللون الأحمر، وحالة تعبر عن الشعور بالألم تجاه ما يجري من مجازر في تلك الأحياء، كذلك وقفات تضامنية في دول عدة حدادا على أرواح الشهداء، أو إنارة الأبراج الشاهقة باللون الأحمر كما في الدوحة وكوالالمبور، ولكنَّها جميعا لم تجد صدى عند أصحاب الحل السياسي، فلا حياة لمن تنادي.
يقول عمر أحد الناشطين على صفحته في الفيسبوك: “في جينيف تحاك المؤامرات لا المؤتمرات ريثما يجد قادة العالم حلا للأزمة السورية حينها لن يتبقى أحد من الشعب”.
صور وحكايات مؤلمة تتنفس بين أزقة الموت في حلب، وقد لا يخلو بعضها من بارقة الأمل التي اعتاد الشعب الحلبي أن يرسمها بصبره وقوة إيمانه، فها هم الباعة في سوق الخضار بحي السكري يعودون إلى العمل بعد ساعات من المجزرة، وذاك صوت الأذان يرفع من جوامع شبه مدمرة.
لم يستشهد البشر فقط في حلب، بل حتى الحجر استشهد في أسواقها العريقة وقلعتها الصامدة على مرِّ الزمان، تلك الحجارة التي تروي أصالة وبطولة الشعب الحلبي وإبداعه، وكما قالت أم ثائر النازحة من حي الهلك إلى مدينة إدلب: “حتى لو حلَّ السلام لن ننسى الألم والمعاناة، لن ننسى الشهداء والأيتام والأرامل، لن ننسى قصص التشرد والنزوح، ستبقى مشاهد الألم مرسومة في تلافيف أدمغتنا، انهضي يا شهباء شامخة كما كنتِ، انهضي فلا وطن من دونكِ”.