ليس سهلاً أن تحاول الكتابة بعيداً عمّا يشغلك، فالأفكار الملحّة كالبعوض الشره، لا يتركك إلا بعد أن يأخذ نصيبه من دمك، .. وكذلك الأفكار تريد نصيبها من راحتك.
ليس بعيداً إذن ما نود أن نكون به خارج النص، وإنّما هو فقط على الهامش الذي لا بدّ من قراءته، ليتّضح النص كاملاً. فالثورة ليست نصاً، وإنما هي تجربةٌ متمردة على جميع النصوص والنظريات، تُشكل فيما بعد، عندما يُكتب التاريخ، نصها الخاص، الذي لا يكاد يستقرُّ على قراءةٍ واحدة، .. قد لا تحدِّد اللغة هنا حجم القراءات كما في النصوص الأدبية، وإنما يحدِّدها حجم التجارب وزواياها المختلفة.
ولأنّ الثورة هكذا، لا يحق لأحدٍ امتلاكها، أو تفسيرها على ما يعتقده، أو بالطريقة التي يفهمها وحده.
إنَّ الثورة فعلٌ يخرج جميع أنماط الناس وأنواعهم إلى الواجهة، لتنتهي بشعبٍ يعتقد بجميع مكوناته وتشكيلاته أنّه ثورة، ويعتاد على تقبّل بعضه بهذا الحجم من الاختلافات، ويدرك أنَّ الوطن ملكٌ للجميع، والثورة كانت بفوضويّتها تلك، لترسّخ تلك الملكية التي يستحيل أن تكون لجهةٍ دون أخرى.
قد لا تنتهي الثوراتُ بهذا الشكل، ولكن لا بدّ أن تسعى لذلك، لابدّ أن تؤمن بضرورة الانتهاء ليُبنى الوطن، وبضرورة الاستمرار ليُبنى الوطن أيضاً، لا أمَلُّ من تكرار أنَّ الثورة أداة، وليست وطناً، علينا أن نُحسن امتلاكها، واستخدامها، دون أن نجعلها مقدساً نتترَّس خلفه.
ربما نفتح أعيننا قريباً على شكل وطن لا يعجبنا، ولكنه الحلُّ الوحيد لنحافظ على ما تبقى من الوطن، .. علينا في ذلك الوقت أن نقبل دون أن نتقبل، أن نحتضن الوطن، ثم نعيد إشعال الثورة فيه بعد أن نمتلكه، ..
لكنَّ الإيمان بالانتحار خاطئ، وتقرير تدمير كلِّ شيء أيضاً خاطئ، لا بدَّ من أن نُحسن الموازنة، سبع سنواتٍ من الدماء، تحتاج منّا وقفة على قدر الأمانة، حيث لا إفراط ولا تفريط، لا استسلام ولا انتحار، .. ثورةٌ في سبيل الوطن وليس العكس، ولجميع أبنائه دون تمييز فكلهم جديرون ببنائه، ولا مكان للجريمة ولا للمجرمين.
المدير العام | أحمد وديع العبسي