لم يكن الرابع من نيسان يوماً عادياً، بل كان تاريخاً مأساوياً، إنَّه اليوم الذي قتل فيه 150 شهيداً وأصيب 300 شخصاً جلهم من الأطفال والنساء نتيجة استهدافهم بغاز السارين القاتل من قبل طيران بشار الأسد.
انتهت المجزرة بصمت دولي آني، كُفِّنت به الجريمة ودفنت في دروج الأمم المتحدة.
لكن هل انتهت هذه المجزرة وذهبت تبعاتها، أم ما زالت مستمرة بسمومها وتأثيرها غير المباشر على الناس، أو الحيوانات الأليفة أو النباتات في تلك المنطقة؟
للوقوف على حقيقة هذه التبعات، قامت (صحيفة حبر الأسبوعية) بزيارة مدينة خان شيخون، وقامت بإجراء عدد من اللقاءات في المدينة:
يقول الشاب (عمر) أحد الناجين من مجزرة غاز السارين: “معظم السكان عادوا إلى الحي وعادت الحياة إلى طبيعتها تدريجياً، وكما ترى أنا أعمل بمحل لإصلاح السيارات يبعد 20 م عن مكان سقوط الصاروخ الكيماوي”.
قمنا بزيارة مجلس خان شيخون، والتقينا مع الدكتور (حازم) مدير المكتب الطبي الذي قال: “بعد مرور ستة أشهر على حادثة الكيماوي، نستطيع القول: إنَّ نسبة الشفاء من الحالات المرضية العضوية هي 90% لكن الأمر الذي لم تتم معالجته أو التطرق إليه حتى الآن هو الإصابات النفسية.
للأسف المجتمع لا ينظر إلى المرض النفسي بأهمية، وينظر فقط إلى الأمراض العضوية، نتمنى أن يكون هناك مشروع خاص للاهتمام بهذه الفئة من المصابين.
هناك بعض حالات الشلل في الأطراف والوجه تبدأ بالظهور بعد 21 يوما من التعرض للغاز الكيماوي، لكن هذه الحالات تحتاج إلى وقت طويل حتى تشفى، لأنَّها تحتاج إلى أدوية ومعظمها غير متوفر، وأيضاً تحتاج إلى معالجة فيزيائية في مراكز متطورة، إلى الآن هناك حالات (لكوة) لم يكتمل علاجها”.
أما بالنسبة إلى تأثير غاز السارين غير المباشر على الحيوانات أو الزرع يجيب الدكتور البيطري (تيسير قدح) مسؤول المكتب الزراعي: “بعد ستة أشهر من الضربة الكيماوية لم يعد هناك أي تأثير سلبي على باقي الحيوانات أو الزرع والأشجار المحيط بالمنطقة، لأنَّ الحي بالأساس لا يوجد فيه حيوانات أو زرع، لكن سوف نراقب محصول هذه السنة بعد زراعته في هذا الشتاء”.
يضيف (محمد معراتي) رئيس المجلس قائلاً: “ما يزال الأمل معقود على محاسبة مرتكبي هذه المجزرة البشعة، لكن مع اعتراف الأمم المتحدة بمسؤولية جيش بشار عن استهداف المدنيين بالكيماوي، لم يتم التواصل معنا بهذا الخصوص من أي جهة رسمية أو غير رسمية!
مازالت تتكرر حالات النزوح من خان شيخون، بسبب الهجمة العنيفة التي انتهت منذ أسبوعين على محافظة إدلب وعلى مدينة خان شيخون، لكننا
في مجلس خان شيخون نعمل على أنَّنا باقون ومستمرون بعملنا لتوفير الأجواء الملائمة للعيش بالرغم من وجود المخاطر المحدقة بالمنطقة ضمن الإمكانيات المتاحة.”
وقد قمنا بزيارة النقطة الطبية في خان شيخون أيضاً والتقينا مع الدكتور (زاهر النسر) الذي يقول: “استمرت الحالات المرضية تأتي إلينا مدة شهرين بعد الضربة بالغاز الكيماوي، ثم توقفت الحالات المرضية المتعلقة باستنشاق الغاز السام، لكن هناك حالات عصبية لم تأتِ إلى هذا المركز أغلبها ذهب إلى عيادات خاصة أو مشافي مختصة كمشفى المعرة ومشفى كفرنبل”.
يضيف طبيب الأطفال الموجود المركز في نفسه: “يعتقد بعض الناس أنَّ الأمراض التنفسية التي تأتي إلينا بعد مرور بضعة أشهر لها علاقة بالغاز الكيماوي، وهذا خطأ، الحقيقة أنَّ الأمراض التنفسية التي أصبحت تأتي بعد بضعة أشهر ليس لها أي علاقة بالكيماوي، إلا الذين أصيبوا ودخلوا بمشاكل مرضية مزمنة بسبب بالاستنشاق المباشر للغاز، كحالة الطفل الذي بقي في المشافي التركية للعلاج مدة ستة أشهر”.
وكان لا بدَّ من زيارة أحد الأطباء النفسيين لسؤاله عن الحالات المرضية العصبية والنفسية التي تبعت استخدام غاز السارين ومدى تأثيرها على صحة هؤلاء المرضى؟
يقول الطبيب النفسي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: “لم يعد يخفى على أحد حجم الأذى الكبير الناجم عن استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وأثره السلبي الكبير عليهم، وخصوصاً الأطفال الذين فقدوا آباءهم والأشخاص الذين فقدوا أبناءهم أو أقرباءهم.
بالنسبة إلى الآثار العصبية والنفسية المتأخرة الناجمة عن التسمم بغاز السارين، فقد كان الشعور السائد لدى أبناء هذه المنطقة عوماً هو الشعور بالعجز وعدم الرغبة بممارسة النشاطات اليومية وحتى عدم الرغبة بالحياة، في الأشهر الأولى للتعرض للغاز كانت الأعراض النفسية تسيطر على معظم المرضى أو ذويهم، وبعد مرور ستة أشهر ما يزال الكثير منهم يعاني من آثارها السلبية وسوف أذكر بعضها:
أولاً: الصداع والآم العضلية والهيكلية، وتعتبر من أكثر ما يشتكي منه المرضى، وكان معظم المرضى يراجعون العيادات بشكل مستمر بسبب خوفهم من المضاعفات.
ثانياً: وجود تغيرات في المزاج، مثل زيادة العصبية والتوتر.
ثالثاً: وجود اضطرابات في النوم وقلة فيه وأرق، ومنهم من يعاني من صعوبة الدخول في النوم والاستيقاظ في منتصف الليل مع الشعور بالخوف وشيوع الأفكار السوداوية ورؤية الكوابيس في المنام.
رابعاً: الشعور بالإرهاق وعدم الرغبة بالعمل، وكثير منهم تركوا مسؤولياتهم الأسرية والمهنية.
خامساً: صعوبة التركيز عند اتخاذ القرارات.
سادساً: فقدان الرغبة الجنسية، وهي ناجمة عن القلق وتردي الحالة النفسية لديهم.
أمَّا طرق العلاج التي نتبعها معهم فهي:
نطلب منهم أن يتوقفوا عن التفكير بالمشاكل، ويحاولوا إسعاد الآخرين من حولهم ومواساتهم، إضافة إلى ممارسة النشاطات اليومية والهوايات لأنَّها تنقل الشخص إلى مزاج أفضل، والتذكير بأنَّ هذه الحال لن تدوم، ونطلب دعمهم من الأهل والأصدقاء من حولهم.
بعض المرضى كان يتحسن بالعلاج السلوكي بالتدريب على استيعاب المشاكل عن طريق استرجاع التجارب المشابهة التي مرَّت معهم أثناء الحرب، فتزداد الثقة عندهم بتخطي الأزمة مع استعمال أدوية مهدئة وأدوية رافعة للمزاج.
أمَّا المرضى الذين فقدوا زوجاتهم أو أبناءهم ننصحهم بالزواج من جديد لكي يبدؤوا حياة جديدة ويتجاوزوا هذه الأزمة”.
وقد قمنا بزيارة الدكتورة النسائية في المركز نفسه (شيم فطراوي) لتحدثنا عن صحة الأجنة عند الحوامل بعد تواتر خبر عن وجود حالات تشوه بسبب استنشاق غاز السارين، تقول: “هناك ازدياد في عدد التشوهات عند بعض الأجنة، وازدياد عدد الإسقاطات للجنين في الأشهر المتوسطة والأخيرة بنسبة قد تصل إلى 6% ولا نعرف سببها، لأنَّنا بالأصل نرى مثل هذه التشوهات، ولا يوجد عندنا دراسة علمية لهذا الموضوع، ولم نستطيع عمل أي إحصائية لأنَّ المريضة قد تأتي إلينا ثم تغيب ولا نستطيع متابعتها”.
تضيف القابلة (هادية الحموي): “لقد ازدادت أيضاً الإسقاطات والتشوهات وعمل الكرتاجات في مشفى التح القريب من خان شيخون بنسبة ملحوظة، لأنَّني أعمل هناك أيضاً، فمثلاً كان يأتينا في الشهر الواحد ثلاث أو أربع حالات إسقاط قبل الضربة الكيماوية، لكن الآن أصبح يأتينا في الشهر الواحد من 20 إلى 25 حالة إسقاط، وقد رأينا حالة تشوه غريبة لم نشاهدها من قبل في منطقتنا، وهي حالة غياب كامل للعيون عند للجنين، وأخرى غياب جمجمة، وحالات نقص أطراف أيضاً، وكما نعلم فإنَّ تكوين الجنين يكون في الأشهر الأولى من الحمل، لكن في الحقيقة لا نستطيع القول: إنَّ سبب ذلك الضربة الكيماوي، لأنَّه لا توجد عندنا أي دراسة تؤكِّد هذا الكلام”.
وكان رئيس آلية التحقيق المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الخاصة بسورية إدمون موليه، قد أكد في مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي مسؤولية قوات النظام السوري وما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن استخدام الأسلحة الكيميائية في كل من خان شيخون وقرية أم حوش في ريف حلب الشمالي.