غسان الجمعة
سيطرت ميليشيا الأسد على خان شيخون وقرى ريف حماة بصورة مبهمة عسكرياً وسياسياً في ظل تكتيم إعلامي لِما يدور في أروقة الاجتماعات في الغرف المظلمة، غير أن الحقائق على الأرض كشفت تحولاً جذرياً في سيناريو المعارك، حيث تحول الروس إلى تكتيك عسكري جديد في اقتحام مناطق عمق المعارضة، قابله عجز وترهل مفاجئ عقب آستانة الأخير، وهو ما يجب على القادة العسكريين والسياسيين كشفه أمام من دفع فاتورة الدم والتهجير من السوريين، فهو واجب من نصَّب نفسه قائداً عسكرياً ومفاوضاً باسمهم.
أما الطرف الآخر والأكثر غموضاً هو الموقف التركي الذي فقد الكثير من السوريين ثقتهم فيه، وبات دوره مشوباً بالكثير من التساؤلات، حيث لم يعد بالإمكان وصفه بالضامن في ظل معطيات المعركة الأخيرة التي أسفرت عن سقوط خان شيخون وسقوط الثقة التي غرستها شريحة واسعة من السوريين (بالضامن التركي) بصفته حامٍ وداعم لآخر معاقل المعارضة التي تُعرف بمنطقة خفض التصعيد الأخيرة (إدلب).
السياسة التي تتبعها الإدارة التركية لا يمكن وصفها بالمتراجعة بشكل مطلق في الملف السوري، ولا يمكن اعتبارها مواجهة كما هو مأمول لدى المعارضة السورية التي تشعر اليوم أنها وقعت في شرك لعبة المصالح، بينما كانت تظن أنها طرف فيه إلى جانب الأتراك، وإن كان بدرجة الضعف والاتكال.
فاعتبار الخارجية التركية أن نقطتها غير محاصرة تنفيه وقائع سير العمليات العسكرية، حيث أطبقت ميليشيا الأسد بدعم روسي الحصار على النقطة التاسعة في مورك، ما يوحي بوجود تفاهم روسي تركي إيراني، وهو ما يمثل انتكاسة جديدة للمعارضة السورية رغم محاولة البعض تسويقها من باب الخلاف وإمكانية الصدام، إلا أن ذلك بات محكوماً بتفسيرات ضيقة أولها كما أسلفنا، أو أن تركيا تحاول أن تستغل ضعفها أمام الموقف الروسي لأقصى حد عبر تعنت سياسي في مورك وليس عسكري يفرض على موسكو واقعاً جديداً يدفعها للعودة بحساباتها العسكرية التي قامت بها عبر الالتفاف على مناطق المعارضة متجنبة النقاط التركية بعمليات تقطيع الأوصال والحصار والدعوة غير المباشرة للانسحاب، و هو الرأي الأرجح.
بكل الأحوال مهما كان سيناريو الحل للنقطة التركية فإن ما قبل خان شيخون ليس كبعدها، ففي حال استمرت روسيا بتوجيه الأسد للتقدم على الطريق M5 أو في مناطق أخرى فإن تركيا مضطرة للكشف عن سياستها سواء كانت سلبية من وجهة نظر المعارضة أم إيجابية، فهي ليست بوارد حصار المزيد من جنودها الذي يُعتبر فضيحة على الصعيد العسكري لعضو حلف الناتو، كما أن الوضع عسكرياً سيختلف بالنسبة إلى المعارضة باعتبارها معركة وجود، وستكون الطامة الأكبر هي على الصعيد الإنساني، فإجرام الأسد بات قريباً من كبرى التجمعات السكانية للمهجرين وأهالي المنطقة الذين يعتبرهم الأسد عين الإرهاب بعد أن حصرهم في المنطقة.
سياسة القضم التدريجي لم تعد غامضة، وبات يدركها القاصي والداني، و موجات الهجرة ستعود للظهور مجدداً وستفقد المعارضة الكثير من أوراق الضغط، كما ستخسر تركيا إقليميًّا ودوليًّا ما بنته في سنوات في العالم العربي والإسلامي من أنها ملجأ المظلومين ونصيرة المضطهدين، و ستغدو إكسسواراً لا أكثر في تجميل الحل السوري الذي تفرضه الغطرسة الروسية، وربما ستفقد السيطرة على هيبتها وشعبيتها في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، وهو ما تسعى إليه كل الأطراف الأخرى الفاعلة، فهل تدرك السياسة التركية خطأ انعطافاتها و غموضها أم أنها باتت تنظر للساحة السورية بمنظار بوتين ومقياس المعارضة التركية؟!