محمد رحال |
كارثة إنسانية وأزمة نزوح هي الأكبر على مدار التسع سنوات من عمر الثورة السورية، هذا ما حصل خلال الأشهر الأخيرة التي مضت، حيث نزوح حوالي مليوني مدني من مناطق ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي إلى الشمال السوري بالقرب من الحدود السورية التركية، نتيجة التقدم البري لقوات الأسد ومن خلفها حلفائها الروس والإيرانيين والقصف الشديد والممنهج في تهجير المدنيين.
نقص في مواطن اللجوء:
أغلب المدن والبلدات التي هُجِّر إليها المدنيون لم تعد تكفِ لاحتواء أكبر موجة لجوء، ما اضطر أهالي المدن والبلدات الواقعة قرب الحدود السورية التركية إلى فتح المدارس، لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المدنيين وإيوائهم من برد الشتاء ومياه الأمطار، لعدم استيعاب المخيمات الممتلئة أساسًا لأعداد أكبر من المهجرين من التي استقبلوها لاحقًا، ما سبب غياب الأطفال عن مدارسهم وابتعادهم عن التعليم.
خطوات بديلة عن المدارس
ولتجنب بقاء الطلاب دون تعليم لامتلاء المدارس بالمهجرين، قرر المجمع التربوي في مدينة حارم وبعض الكوادر التدريسية بجعل المساجد مكانًا يتعلم به الأطفال، ريثما تتم معالجة أمور المهجرين ووضع البدائل (مراكز إيواء، ومخيمات)
في هذا الخصوص يقول (رائد خريباتي) مدرس في مدرسة بنات حارم: “إنه لابد من وجود البدائل، وإن التعليم هو أساس الحضارة للمجتمع، وهذا ما يحاربنا به نظام الأسد منذ البداية، إذ يريد منا أن نكون مستسلمين أمام قوته العسكرية التي واجهنا بها منذ أيام المظاهرات السلمية، لذلك نؤكد أهمية استمرار العملية التعليمية، ونحن مستمرون بها حتى ولو كان ذلك تحت شجر الزيتون.”
النزوح الأخير فاق مقدرة المؤسسات المحلية والمنظمات العاملة على الأرض في تلبية احتياجات أبسط حقوق المدنيين، ما أدى إلى حياة صعبة يعيشها أولئك بالبحث عن مواطن لجوء.
(أم محمد) نازحة من بلدة نحليا تقول: “عندما بدأ الطيران الحربي القصف من السماء على المدنيين ويقتلهم لم يعد أمامنا خيار سوى الترحال نحو المجهول.”
وأضافت: “عند مطلع الفجر، وبعد أن مكثنا عدة أيام تحت هدير الطائرات والقصف، انتابنا شعور الخوف وقررنا النزوح والخروج من الديار، لم يكن أمامنا وجهة سوى عفرين بريف حلب أو مدينة حارم القريبة من الحدود التركية، فاخترنا الثانية بعد سماعنا بافتتاح المدارس هناك للنازحين الجدد.”
وتكمل: “لاقينا بصيص أمل من الحياة بعد أن أمنت مأوى لي ولابنتي المريضة العاجزة ولأطفال أولادي، نتمنى أن تعود إلى ديارنا وأن يعود الأطفال إلى مدارسهم مجددًا.”
وعن تحويل المساجد إلى مكان للتعلم يقول الأستاذ (مصطفى بظاظ): “إنها ليست جديدة بل كان ذلك زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يتعلم الأطفال في المساجد.”
وأكد ضرورة تأمين مأوى للضيوف الجدد، فكان القرار وضعهم في المدارس كي لا يكونوا بالعراء في ظل هذا البرد القارس.
ويكمل: “اضطررنا لأخذ المسجد لإكمال سير العملية التعليمية، وقد فصلنا الطلاب
إلى مرحلتين بحيث ينتهي الدوام قبل بدء الصلاة، وبسبب ضيق الوقت اختصرنا بعض المواد واقتصرنا على المواد الأساسية مثل (الرياضيات، والعربي، واللغة الإنكليزية) وهذا الأمر لاقى ترحيبًا كبيرًا من الطلاب والأهالي، وهذا كله خير من بقاء الطالب دون تعليم أو الذهاب إلى العمالة والتخلي عن الدارسة.”
كارثة إنسانية كبيرة يعيشها الأهالي في الشمال السوري المحرر من قصف وتهجير، في ظل عدم وجود مأوى لآلاف المدنيين وغياب شبه كامل للمنظمات الحقوقية وحقوق الإنسان، وصمت دولي رهيب عن المجازر التي ترتكب بحق الأطفال والمدنيين، لكن تزداد الكارثة سوءًا بعد إطلاق النظام حملته العسكرية على قرى وبلدات جبل زاوية الواقعة جنوبي الطريق الدولي M4، ما ينذر بموجة نزوح أخرى وتهجير جديدة في المنطقة، وتعميق جراح السوريين على كافة الأصعدة.