بقلم : أحمد الشامي“لا تنظر في عين النور فإنك لن تراه، ولكن حاول أن تتلمس أثره وتسير بمقتضاه”تلك هي الكلمات التي كانت تغريه دائماً في الليل، بعيداً عن زحمة النور وضوضاء ساكنيه.. في هذا الوقت تستطيع أن ترى كل شيء على حقيقته، و من دون نظارات .. كلُّ شيءٍ يرقبك كما ترقبه أنت، يتأمل خطواتك ويحاول معرفة إلى أين يمكن أن تبحر بك أحلامك في هذا المدى الواسع.تستطيع أن تحادث النور المتعب من مصاحبة ملايين الناس في الصباح، تراه وهو يبتهل إلى خالقه طالباً السكينة والراحة، وأنت تنظر إليه طالباً البصيرة و المعرفة .كثيراً ما تقاطعه لتسأله عمَّ يغريه بكل هؤلاء.. ولمَ يصرُّ على أن يعود لمهمته المتعبة كل يوم، فيجيبك بأنك من يمتلك الإجابة !! وأنت تحار في نفسك باحثاً عنها وهي أمام عينيك .. باتساع الليل الذي تحب.الأمور متشابهة يا صاحبي “عندما تضع عينيك في عيني الليل فإنك أيضاً لن تراه”أرأيت كم أنت تشبه هذا الكون!!، إياك أن تنظر في عينيك فتصاب بالعمى..عشر سنوات وأنا وذلك الليل نتبادل أطراف الحديث، نحاول أن نرى الأمل عند كل شرفةٍ مضيئة.. في بقايا النجوم.. و لون السماء القرمزي, في ليلة ماطرة بضوء القمر .. وتكبيرات الفجر .. وفي أصوات الصغار الذين يولدون.لقد تغير الكون الذي يحتويك.. تغيرت أنت.. صار كل ما يربكك أنك تشتهي لو تعود، مع أنك مؤمن بأن ما جرى هو عين الصواب، .. تتصارع مع فنجان قهوتك لأنه يشبه ذلك الليل الذي هجرك منذ أن بدأت الحرب.. ولم تصلك أخبار عنه منذ ذلك الوقت.بين الفينة والأخرى تقرأ خبراً بأنّه أستشهد في إحدى المعارك الضارية، وهناك من ينقل لك أنه معتقل خلف قضبان لونه القاتم .. وآخرون يصرون على انه بخير، ولكنه يحتاج منك أن ترشفه كاملاً ودفعة واحدة، لتنهض من جديد. وأنت –عبثاً- تحاول أن تعتصره من قلمك الذي لا يكف عن ذكره في كل ما يقترفه من حماقات الكتابة وسكرات جنونك المعتاد -.ما أثار دهشتي يا صاحبي: أنك اليوم تحكي لي كل هذا.. وتسألني عن صاحبك القديم.. وهو يجلس بقربك، يمسك يديك .. ويبتسم لحديثك العذب.. وأنت لا تراه!!!ألم يقل لك يوماً “إياك أن تنظر في عينيك فيصيبك العمى” أغمض عينيك .. وحاول أن تتحدث إليه …