علاء العلي |
إنّ لعقوبات قانون قيصر (الأمريكي) التي بدأت في 17 حزيران الجاري، تأثير اقتصادي على البلدان المنخرطة في دعم نظام دمشق، التي تنافست فيما بينها لتحقيق مكاسب اقتصادية وعقود نفطٍ و موانئ وإعادة إعمار وإعادة تأهيل شبكات الاتصال والمواصلات والرّي وغيرها.
فروسيا التي وقّعت العقود الطّويلة مع النّظام السوريّ لدعمه عسكريّاً لاستمرار فتكه بالشعب المنتفض ضدّه، تجد نفسها في حالة تجميدٍ من أي تدفّقٍ لمعدّاتها وقطعها العسكريّة إلى سوريّة بسبب قانون قيصر؛ لأنها تبني جزءًا مهمّا من اقتصادها الوطني على هذه العقود والتّوريدات، وهذا ما دفعها لوصف قانون قيصر بأنه “إرهابٌ اقتصادي”، وصارت تبحث عن سبل (غير شرعيّة) لدعم استقرار النّظام بعد تدهور عملته المحليّة، وضخ النقد الأجنبي للمصرف المركزي السوري، وقد نجحت بذلك فترة الأسبوع الأول بعد سريان العقوبات باسترداد عافية الليرة السّوريّة بنسبة 20% ، فاستقرار نظام الأسد مهم لروسيا لاستمرار النفع الاقتصادي والسياسي، لأنها تدرك أن الفوضى التي تسعى لها أمريكا تهدف بالدرجة الأولى لتحقيق مجاعة في الداخل السوري بعد حرمان الحكومة السورية من أكثر من 75% من ثروات البلد النفطية والزراعية والمائية شرقًا، وتدرك أن أي انتفاضة داخليّة ستؤثّر على الدعاية الروسية التي تصدّر نفسها أنها مصدر الأمن والاستقرار في سورية، الأمر الذي سيسقط ورقة التّوت عنها، في وقت يدخل فيه الاقتصاد الروسي مرحلة تراجع وانكماش حادّ بسبب وباء كورونا والعقوبات الأمريكيّة.
ولهذا تسعى روسيا جاهدة لحشد إقليمي ينقذ مكتسباتها، متصارحة مع شركائها التقليديين في آستانة، تجتمع معهم لتمرر رسائل عبر تركيا لأوروبا و أمريكا، أن العقوبات مؤلمة وسنرضخ لتغيير حقيقي، يتجاوز أشد نقاط الخلاف ضراوة، فأجيرها بدمشق بات عبئًا يقف في طريق اقتصادها، ولا بد من التغيير السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة 2254، وهذا ما تم إعلانه بالفعل في اللقاء الأخير بين شركاء آستانة.
روسيا الغارقة في المستنقع السّوري، أصبحت بعد سريان القانون محرومةً من أي تمويل (عربيّ) كان يقدم لها لإدارة الحرب ضد الشعب السوري، وأصبحت بعد فترة محاصرة إقليميًّا من دول الاتحاد الأوروبي، فالقانون واضح، وكذلك التحذيرات الأمريكيّة اليّوميّة بهذا الشّأن واضحة للجميع، ولا ترغب أوروبا التي تعاني من السياسة الروسية المتغطرسة أصلاً من أي تقرّب منها، فلا المجال البري ولا البحري ولا الجوي بات مسموحًا له لعبور العتاد الروسي.
لا يبقى للروس منفذ سوى الشريك القهري لها (إيران) التي تُعدُّ هي الأخرى تحت سيف القانون، إذ ترى روسيا من خلالها ممرًّا وحيدًا كونها مشمولةً ومتأثرة بالعقوبات بشكل أساسي بعد روسيا، وتمتلك تشكيلات عديدة تستطيع بظنها الالتفات على العقوبات واستمرار تدفق التّمويل عبر جغرافيّة بلاد الرّافدين، مع جملة محاذير على الخطوة، إلا أنها المتنفس المتاح للقيصر الروسي للعبور بمشروعه نحو دمشق عبر هذا الجسر الطائفي.
ورطة حقيقية سيتسبب فيها القانون على إدارة روسيا للصراع، لكن منفذ الحوار الأمريكي الروسي ما يزال متاحًا بعد استنفاذ الخطوات الالتفافية على القانون رغم محدودية تأثيرها، فالرغبة للحوار والوصول لصيغ أخف ضررًا يبدو أنّها ممكنة الحدوث، فخسارة الجزء خير من خسارة كل شيء، وهذا ما تتبناه روسيا التي تريد أمرين من سوريّة في أي حوار أمريكيّ ستسعى إليه، أولهما عدم إعاقة أي دعم عسكري لنظام سورية الجديد، وإبقاء سورية ساحة تصدير للعتاد و سوقًا لتصريف الإنتاج، وبذلك تؤمّن استمرار مؤسساتها العسكريّة بالعمل دون توقف، وثانيهما الحفاظ على العقود الموقّعة بالزمن المحدد أصولاً بما يخصّ الموانئ والمطارات والفوسفات والإعمار وجني الأموال بعد خمس سنوات من الحرب الدّموية فيها.
مطالب ستحمل الكثير منَ التحفظات الإقليمية والأوروبية وحتى الأمريكية، وسيرجح ذلك كله إسرائيل التي ما زالت تشهّر بالتحفظ على التوغل الروسي والتعمق في الجغرافيا السورية، وهذا ما سيضع الحالة السورية بفترة عدم استقرار طويلة تخضع للأخذ والرد وصولاً للصيغة الأكثر توافقًا على المستوى الإقليمي والدولي عمومًا.