غسان الجمعة |
تعيش مدينة درعا أوضاعاً سياسية وعسكرية مختلفة عن مثيلاتها من المناطق التي سيطر عليها النظام السوري، حيث ما تزال بعض المجموعات المسلحة التي كانت تنتسب لفصائل المعارضة محافظة على كياناتها في مناطقها المحلية، ومنها ما تزال تحتفظ بسلاحها الخفيف تحت مظلة قاعدة حميميم الروسية بعد ما فرضت روسيا تسويتها في بصرى الشام صيف 2018
خلفية هذا المشهد ترجع إلى تفاهمات بوتين وترامب على هامش قمة هامبورغ التي ضمَّت حينها اقتصاديات الدول الكبرى (G20) حيث أطلق الرئيس الأمريكي اليد الروسية في الجنوب السوري مقابل ترتيبات أمنية تضمنها روسيا لإسرائيل والأردن وعلى رأسها تهديدات التوغل الإيراني على حدود البلدين.
إيران والنظام السوري رغم سيطرتهما على المنطقة وفرض نفسهما كحلفاء نصر في معركة درعا إلا أنهما يواجهان سياسة تهميش وضغط من حليفهما الروسي الذي يريد الالتزام بتعهداته من جهة واختبار مدى الطاعة الإيرانية والسورية لكلمة الروس في سورية، وهو ما يفسر غض الطرف عن بقاء مجموعات المصالحة بسلاحها بعد أن دانت بولائها لقاعدة حميميم بقيادة (أحمد العودة).
محافظة الروس على بؤرة مناوئة للنظام السوري وإيران مشحونة بسنوات سابقة من العداء والصراع باتت مزعجة لكليهما لاسيما وأن الحاضنة الشعبية باتت تميل للأخف ضرراً في معادلة (الأسد “إيران وروسيا”- العُودة)، بل وعادت على خلاف المناطق المسيطر عليها من قبل الأسد بالتظاهر والاحتجاج وخط الكتابات المناهضة للنظام على جدران الشُعب الحزبية والمرافق العامة، عدا عن الاستهداف المستمر لنقاط الأسد وحزب الله على مرأى العين الروسية التي لا تريد تفرد أيّ من حلفائها بالمنطقة.
الرضا الإسرائيلي عن الجهود الروسية في الجنوب ترجمه عدم استهدافها للجبهة الجنوبية رغم أنها أكثر خطورة من مناطق كثيرة استهدفتها الطائرات الإسرائيلية في العمق السوري في حمص و حلب و حماة، وهو ما دفع حلفي موسكو لانتهاج طريقة لا تزعج الدب الروسي من خلال اتباع سياسة شراء الذمم والولاءات عبر خلايا في المنطقة تعمل لحساب حزب الله و إيران، واستحوذ النظام السوري على بعض تلك المجموعات عبر الضغط عليها إما بتبليغات محكمة الإرهاب أو الرضوخ لأجهزة الأمن، إلا أن عقلية النظام ليست مرتاحة للوضع الذي أنشأه الروس، فهو لايزال يدرك أن عوامل إشعال انتفاضة جديدة ما تزال متوفرة، لذلك فهو يعمد بين فترة وأخرى للاعتقالات و الاغتيالات.
النموذج الروسي في درعا هو تجربة روسية أمريكية تُعول عليها دول المنطقة بما فيها الكيان الإسرائيلي، فمعظم الأنظمة العربية لم يعد لديها مشكلة مع الأسد، وبعضها من أعلن ذلك صراحة والآخر يضمرها سرًّا، وهو ما قد تجنح له روسيا في تسوية شاملة بنهاية المطاف تقوم على لامركزية سياسية وإدارية للمناطق السورية بقيادة روسية فعلية تسترها سيطرة صورية لدمشق مع تحجيم للميليشيات الإيرانية بشكل تدريجي لحين وصوله إلى مرحلة الطرد أو الانكفاء.