من مرت عليه جائحة كورونا كحدث استثنائي فقط، يحدث كل فترة وأخرى، فقد أهمل كثيرًا من الاعتبار الذي يجب أن نفهمه في سياق السنن الربانية.
هذه الجائحة ليست حدثًا استثنائيًا فحسب، بل هي شيء خارق للنظام الطبيعي الذي نعيش فيه، وهو يحدث كل فترة من الزمان لكي نبصر بوضوح كيف أن عجلات التغيير والتقلبات الكبرى قد تحدث بلا مقدمات ولا أسباب كافية، ربما يكفيها قدح الشرر فقط لتكون طوفانًا أو بركانًا.
ومن العجيب ألَّا يشعر الكثير من الناس بعظم هذا التغيير وأثره في نفوسهم قبل أثره في العالم.
لقد استيقظنا خلال أيام من عالم يسير وفق حياة روتينية اعتدناها، إلى عالم يتشقلب فيه كل شيء، فلا ندري كيف يحط رحاله، كأننا قد لبثنا مئة سنة.
وفي زماننا الكثير من المتغيرات التي قد لا نشعر بها بسبب اعتيادها، ومنها (الربيع العربي) الذي نعايشه فيخفت بمعايشته ألقه في أعيننا، وإنّ ما أحدثه من تغيير في البنية العالمية والعربية والإسلامية، والبنية الشخصية للناس لهو أمر كان من المعجزات تصوّره قبل حدوثه.
لقد وصل الهاربون والمنبوذون إلى الحكم في بعض البلاد، فمنهم من كان قد أعدّ عدّته للفرصة التي جاءته، فتمسك بها وما يزال يصارعها (في تونس).
وآخرون أتت بهم موجة إلى أعلى هرم في البلاد، فأصابهم العجب ولم يكونوا قد أعدوا لهذا عدّته، فأطاحت بهم أخرى في حادثين عظيمين (سرعة الوصول للسلطة – الثورة المضادة والانقلاب) أبهتت المعايشة بريقهما، فغاب عنّا التدبر فيهما والتبصر في أمرهما (في مصر).
والله قادر على أن يكتب لنا التغيير الذي نشتهيه بساعات أو أيام قد لا نتصور قدومها، فإما أن نكون على أتم الجاهزية يومها، أو أن تمر علينا مرور الرياح فنكتب من الخاسرين (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
وإن الكثير من سنن التغيير الكبيرة تحدث حولنا باستمرار فلا نفطن لها، ولا نشعر بها، وسيبقى كثير من الناس في غفلة عن اقتناصها وإقامة أمر الله فيها حتى تأتي سنن القيامة وهم لا يشعرون (ولكل امرئ عند موته قيامة).
فالتغيرات الكبيرة، تحدث في كل وقت، ولكن ما لا يحدث هو تنبهنا لهذه التغيرات والعمل على استغلالها كما يجب، من أجل تحقيق التغيير الذي نصبو إليه.
المدير العام | أحمد وديع العبسي