رشيد العالم | كاتب وأديب وناشط ثقافي
إن الدِّين الإسلامي جَاء ليُحرر المَرأة ويَرفعهَا من برَاثن الاستعبَاد الذكوري ودَرَائِن الاسترقـَاق القبَائلي الذي كان سَائدًا قبل مَجيء الرسَالة المُحمدية، عَلاوة على مَنحهَا الكرَامَة والشرَف والقيمَة التي تستحقهَا داخل المُجتمع، ولا يُمكن لمَن يقرَأ القرآن قرَاءة سَليمة عَقلانية متأنيّة والسيرة النبوية الشريفة إلا أن يقرَّ بهَذه الحقائق.
فالله سُبحانه خلق الرَّجلَ والمرأة ليُكمِّل بَعضهمَا دَور البَعض، وهمَا مُتساويَان أمَام الله، وهذا واضحٌ فِي الخطَاب القرآني الذي يشملُ الرَّجُل والمَرأة معًا وفي سِياقات أخرى يشملُ أقوامًا وأممًا وكافة النَّاس وعَامتهم، فالله لا يَمكن أن يكونَ عَادلا مَع الرجل لأنه رَجل وظـَالمًا مَع المَرأة لأنهَا امرَأة.. إذن فالأزمَة ليست في الخطَاب الالهي، بل فِي قِرَاءات فقهية تشرعِنُ احتكَارَ الرَّجل لحُرية المَرأة باسم الحِكمَة الإلهيّة والتأويل القرآنِي والعُرف الاجتمَـاعي.
فالنبي مُحمد -صلى الله عليه وسلم- لم يسبق له أن مَارس نوعًا من الإكرَاه النفسِي أو الجَسَدِي أو حَتى اللفظِي مَع زوَجَاته اللوَاتي كان جلهنَّ مُطلقات وأرمَلات.. بَل فِي المُقابل كان يَحث صَحَابته وأتباعه على توقير المَرأة واحترامهَا ومَشُروتهَا.
كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم- يتعاملُ مَع المرأة بلطفٍ واحترَام وكانَ يصفهنَّ بالقوَارير، وهو مَعنى لطيف ورَقيق ويحملُ من المعَانِي النبيلة الشيء الكثير، بحيث ينصَحنا النبي بأن نتعَامَل معهُنّ مثلَ قارُورَات نخافُ عليهن ونصُونهن ونحَفظهن بشتى الوَسَائل، لا أن نكسرهُنّ وأن نهشمَهُنّ أو نستنقص من قيمتهنّ فهَذا لم يكن أبدًا من شيَم المُصطفى وخصَالِهِ الرَّفيعة.
غير أن مُشكلة بَعضُ ذوي العقُول المَريضَة التِي تفهمُ الدِّين بصُورة مَمسوخة ومقلوبَة أنهُم يتشبثون بأحَاديث مَوضُوعَة وضَعيفة تسِيءُ إلى المَرأة ويبنون عَليهَا سِيرَة النبي التِي لم تكن كذلك، فبدل أن يقتدوا بسيرَة النبي الفعليَّة الحيّة والمُتوَاترَة التي لم يرد فيهَا أنه ضرَب امرأة أو قال بأنهَا ناقصَة عَقل ودِين وأن عقلها ودينها في فرجهَا.وغيرها من الأحاديث التي حَاشا لذي الخلق العظيم أن يصفَ بهَا النسَاء، بدل ذلك يَتشبثون بتنطع وتشددٍ بنصُوص ضَعيفة ومتناقضة ولا أساس لهَا لا فِي المَرجع الأول للمسلمين الذي هُو القرآن الكريم ولا في الرِّسالة الرُوحية والأخلاقية والتربويَّة الساميَّة التي بُعث لأجلها النبي صَلى الله عليه وسلم.
من الوَاضح أن السَّبب الذي جَعل المجتمعات الإسلامية تنظر إلى النسَاء نظرة دُونية ازدرائيّة هُو التعلق بالشَّكليَات والمَظَاهر.. فدَائمًا ما نحَاكم المرأة من خلال جَسدهَا ولبسهَا وفتنتهَا وجمَالهَا ونخبسهَا قيمتها دُون أن ننظرَ إلى إمكاناتهَا العَمليَّة والمهنيَّة والفكريَّة والابداعيَّة والتربويَّة ومَا يمكن أن تقدمه من وَسَائل خَلاقة وقيمَ مُضَافة ومُسَاهمَاتٍ فعليّة فِي ترقيَة المُجتمَع والدَّفع بقَاطرة التنميّة إلى الأمَام.
وإن هذا الفكر الكبتي والرِّجعِي والجنسِيّ.. الذِي يَختزلُ المَرأة في المظهَر الخَارجي لهَا، يُعد من جهَة، نتاجـًا للثقـَافة المتوارثَة والعُرف الشَّعبي المشحُون بأفكَار ورُمُوز وقصص وحَكايَا حَقيرَة تزدَري المَرأة والذي مع الأسف كان ومَا يَزَالُ، الخزَّان الحَيوي الذِي يَستمدُّ منه الوَعي المُجتمعي ويتغذى عَليه..ومن جهةٍ أخرى يعدُّ نتاجًا لأزمَة الفكر الإسلامي التقليدِي الذِي ما يزَالُ المُهيمَن على كثير من القراءَات الترَاثيّة التي تحتقرُ المَرأة وتنزلهَا مَنزلة دُونية أقل من الرجل.
فالمرأة الحَالية أثبثت تفوقها في مَيَادِين عِدَّة فِي العِلم والهندسة والفضَاء والأدب والفَن والتكنولوجية والسِّياسَة وإدَارَة الأعمَال والاقتصَاد والرِّيَاضَة وفي مجَالاتٍ كانت حِكرًا على الرِّجال من قبل، مثل رئاسَة الدَّولة، وقيَادة الأحزَاب، ورئاسة القضاء، والجهاز الأمني والعسكري والحربي.. إلخ
وحتى في الفكر الديني بَرَزت نساء عَالمات ومُفكرَات لهُنّ وزنهن وصَيتهن وبصْمتهن.. وبالتالي وَجبَ التأسِيس خاصَّة في الدول الإسلامية التي طغى عليهَا الفكر السَّلفي المُحتقر للمرأة، وجَب التأسيس لثقافَةٍ دِينيةٍ حَديثة تأخذ بعَين الاعتبَار مَبدأ المُسَاواة والحُرية في ضَوء سِياق التطورَات والتغيرَات الرَّاهنة.
ففي هذا العصر صَار من المستحيل أن نبخس المَرأة وأن نحَرِّرهَا بناءً عَلى مَا يسمحُ بهِ العُرف بينمَا الرَّجل يَحقُّ له أن يعيش حُريته كما يشاء ويخرق العرف والدِّين متى شـَاء بدعوى أنه رَجل وأنه قوامٌ وأنه عاقل وأن المَرأة جَاهلة وعاطفيَّة.. وهذا كما قلنا لن يتم إلا بقطيعَة كافة أشكال الإكرَاه الدِّيني تجَاه المَرأة سَواء تعلق باللبس أو بالحجَاب أو بالعمَل..إلخ، لأن المَرأة جزءٌ من المجتمع وفاعل رَئيسي فيه، وبدُونها لا يمكن لنَا أن نبني أمَّة أو حَضَارة.
الوقت حَان لنقول لمُحتكري الفقه الدِّيني والمُدافعين عَن مَشرُوع “تعليبِ المَرأة” وحَصرهَا فِي المَنزَل وخاصَّة فِي غرَفة النوم: أعِيدُوا قرَاءَة السِّيرَة.. وَدَعُوا المَرأة وشـَـأنهَا.
المصدر: مدونات الجزيرة بتصرف