مع انطلاق الثورة في سورية عام 2011 ونزول الجماهير إلى الساحات رأى بعض الشباب الثائر أنَّ عليهم حمل السلاح لحماية أولئك المتظاهرين من بطش النظام، فتشكلت جماعاتٌ بسيطة للعمل الثوري في المجال العسكري، ثم مع إيجاد مناطق محررة تشكلت جماعاتٌ أخرى في مختلف مجالات العمل المدني، فكانت هذه الجماعات تعتمد في تمويلها على مدخرات شبابها إضافة إلى بعض التبرعات البسيطة التي تجمع من جماهير الثورة في الداخل السوري، إلا أن خوف العامة من بطش النظام أدى إلى تجفيف هذا الدعم البسيط مما حدى بهذه الجماعات إلى البحث عن دعم من المناصرين للثورة فكانت كل جماعة تبحث لها عن داعم على حدة مضطرة إلى ذلك، كما اضطرت إلى تسمية نفسها باسم معين مراعاة لتوجه الداعم، مما فتح باباً استغله و بشكل سيئ بعض الطامعين و ضعاف النفوس لمصلحتهم الشخصية فجمعوا أموالاً طائلة وأدى هذا كله إلى إحداث شروخٍ عميقة في جسم الثورة لكن الذي حول هذه الشروخ الى انقسامات هو أن الدول وضعت يدها على الدعم وحولته إلى دعم مسيَّس وبدأت تتحرك هذه الجماعات حسب مصالح سياسية تخدم مصالح هذه الدول وفي الغالب تضر بمصالح الشعب السوري.
حتى جماعات العمل المدني زادت الفروق بينها فبدلاً من أن تنسق العمل بينها صارت تتسابق لتحصيل أكبر كمية ممكنة من الدعم المسيَّس مما أدى لضياع هُوية جماعات العمل الثوري. وراحتِ الجماعات المسلحة تشارك في الأعمال الإنسانية والإغاثية، والجماعات الإغاثية تضغط على جماعات العمل المسلح واختلطت الأوراق.
أضف إلى ذلك التجزئة الحادة وتشتت الانتماء وقلة الكوادر وغياب الوعي في صفوف الثورة فكلُّ الجماعات على اختلاف توجهاتها تنادي بالعدالة الاجتماعية وتدعي السير على تطبيقها، لكن الحقيقة أنَّ الاغنياء ازدادوا غنى و الفقراء ازدادوا فقراً بسبب عدم التوزيع العادل للمساعدات فقسمٌ من العامة يستفيد من أكثر من منظمة و لو لم يكن محتاجاً، مستغلاً لحالة الانقسام بين الجماعات، والقسم الآخر لا يصل إليه إلا القليل وإن كان بأمسِّ الحاجة أضف إلى ذلك نسبة البطالة الكبيرة التي يعاني منها المجتمع بدعوى الوضع الأمني، وظهرت حالة سيئة من الركود داخل المجتمع و تحوَّل من مجتمعٍ منتجٍ إلى مجتمعٍ مستهلكٍ في أقبح صوره، فاعتاد الناس على الأموال الإغاثية التي تأتي من الخارج كمصدر رزقٍ أساسي بدلاً من العمل و كسب قوت اليوم وخاصة في المخيمات، وصار امتهان الكرامة أمراً عادياً جداً، ومن هنا يجب على كل من يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية أو تخفيف حدة الفروقات بين طبقات المجتمع أن يعي نقطتين أساسيتين:
النقطة الأولى: هي أنَّ كل مالٍ له أصل هو العمل الشريف وأن ننقذ شبابنا من فخ البطالة ونساعدهم على اتخاذ القرار والتفكير بطريقةٍ عملية للحصول على الرزق الحلال وعدم الاعتماد على أموال الخارج المسيسة، فمعيار الرجولة في مجتمعنا هو العمل والكسب وعدم مسألة الناس أعطوه أو منعوه.
فكلُّ إنسان لابدَّ أن يكون له هدف في هذه الحياة، و لابدَّ أن تكون له خطة و عمل أو حرف او صنعة بحيث يعمل و يكسب من عمله و جهده فننتقل من حالة الركود إلى منهج دلوني على السوق، فالإنسان الذي يدخل السوق من خلال التجارة أو الصناعة أو الزراعة سيكسب كثيراً من المهارات في كيفية التعامل مع الناس و سيتعلم كيف يخطط للمستقبل و كيف يدخر الاموال و يديرها و ينفقها، فمنهج دلوني على السوق منهج في العلاقات الاجتماعيّة و الاقتصادية و السياسية و منهج أخلاقي و تربوي و هكذا نرى أنه منهج حياة يجب أن يتحلى به الدال و المدلول فالعامل الحقيقي على الرقي بالمجتمع يجب أن يفكر في إيجاد فرص عملٍ و سوقٍ رائجة و رابحة.
والنقطة الثانية: هي أنَّ اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع هي أولى خطوات انهياره والطرق والوسائل التي تعمل بها المنظمات لا تخفف من حدة هذه الفوارق بل تزيد من اتساع الفجوة بسبب تشتت العمل وغياب المشروع المتكامل فلو كان هؤلاء صادقين في مساعدتنا لعملوا علة دعم وتنمية مشاريع انتاجية تخلق فرص عمل حقيقية، تنمي المجتمع وتحقق شيئاً من الأمن الاقتصادي.
لذلك علينا أن نعمل على هذا الشيء بأنفسنا وعدم انتظار الآخرين، للحفاظ على المجتمع من الانهيار الكامل.