بقلم زينة الهادي
شلال الدم الذي ابتدأ في حلب لم ينتهِ منذ خمس سنوات إلى الآن، بل يزداد يومًا بعد يوم غزارة وعمقًا، دون أدنى تحرك دوليٍّ أو عالميٍّ أو إنسانيّ، فأقصى ما لديهم حيال هذا الملف، هو القلق البانكيموني، والشجب العربي، والعهد الأخضري، والتلاعب الديمستوري، بالإضافة للتعداد الرقمي للضحايا، والدعم المادي لليتامى، وحفر قبور الأحياء بالقذائف والشظايا.
هذا عالميًا، ولكن حين تدقّق النظر في صميم الشارع الحلبي المقسوم إلى شرقيّ وغربيّ، ترى أنّ من قال: ” الدم ما بصير مي” لم يكذب، فلكل مواطن في مناطق النظام أخوة وجذور وأرحام في المحرر، ينظرون إليهم بعين الرحمة والشوق والتعظيم لهذا الثبات تحت كل أنواع القصف لمجرد أن يعيشوا في بيوتهم بكرامتهم دون منّة من أحد.
فمنهم شباب في ريعان الصبا لم يكملوا جامعاتهم إما لمساعدة هذه الفئة في مجالات المساعدات الإنسانية، أو للدفاع عنهم في المجالات العسكرية.
ومنهم من كان ممَّن هرب من سطوة النظام بعد أن رسم على روحه وصمة من الحقد والحزن على ما رآه في زنازينهم، ومنهم شيوخ أبوا أن يغدروا بوفائهم لبيوتهم، ومنهم أطفال لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في ظل الحرب.
فكل شخص يشعر بما يقاسيه شقيقه كلّ بحسب عمره، فالجامعي يشعر بمن حرم جامعته، والكهل بكهل مثله افتقد بيته أو ولده أو عمله. فمشاعر الألم المرة دائما تختلط بدعاء الصادقين بالفرج المأمول.
وتبقى لتلك الثلة القليلة المدنيّة، أما اليد العسكرية التي سُلبت عقولها بماردٍ جنيّ، أو بذلك الكلام الفني الذي لا يسمن ولا يغني من الواقع أدنى صدق أو واقعية، ولكن قلوب أقفلت باب عقولها فأضاعت وضاعت وخسرت، فلم تدرِ أنَّ الدم واحد والعرض واحد والوطن واحد والقاتل واحد، فإنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
فبين تلك الثلة والثلة تدور الأنظار مرتقبة ما سيجري وأين ستحط الرحال في هذا الوطن الضرير الذي أبكمَ كل واقع صارخ.