صفاء أمين |
إنها صديقتي الرائعة فاطمة، دائمًا نتبادل الكتب عندما تروق لنا، ها هي كالعادة تقترح عليَّ قراءة رواية اسمها (دموع مقدسة) للكاتب (عبد الرحمن الآنسي)، بدأت أقرأ عن الكاتب فوجدته شابًا، وهذه أولى أعماله كما يبدو.
كِدتُ أتنازل عن قراءة الرواية، ولا أنكر أني شككتُ بذوق صديقتي هذه المرة؛ فأنا لدي عُقدة من الأعمال الأدبية الذي يكتبها الشباب ما دون سن الثلاثين؛ لأن كتاباتهم للأسف متخمة بالتفاهات، لكن كُرمى لصديقتي، قلت سأطلع على الرواية فربما هناك شيء مميز جعل صديقتي تقترحها عليَّ، وعند بدئي القراءة قلت في نفسي: “لم يكن ظني كاذبًا، فها هو الكاتب بدأ يتطرق للمواضيع الجنسية والتفاهات.”، كدت أتنازل عن القراءة لولا أن لغة الكاتب الحاذقة واستخدامه للكلمات بطريقة مميزة جعلني أستمر في القراءة، فهذا يدل على أن الكاتب على اطلاع واسع، ولن يستمر بهذه الطريقة، فبدأت أشعر أنه بدأ يتوغل في قضايا مهمة جدًا، وكان يعرض القضايا تترا بطريقة سلسلة، ومعظمها قضايا غفل عنها الكثير من الكتاب.
الرواية بشكل عام، تتحدث عن قضايا المرأة، وعن تهميش المجتمع لها، والمعاناة التي تتلقّاها ممَّن حولها بطريقةٍ أو بأخرى، في الحقيقة شعرت بالغضب وأنا أقرأ أحداث هذه الرواية، كيف غفلنا عن هذه العادات السيئة والمقيتة؟! كعادة تحكم الرجل بمستقبل المرأة مهما كان وضعها في المجتمع، وأنه الذي يُملي الأوامر وما عليها سوى التنفيذ وانتظار القدر المحتوم.
من عاداتي أني لا أحب أن أرى المرأة ضعيفة ولا أريدها أن تكون ضعيفة أبدًا، لكن (ثريا) بطلة الرواية وضعفها جعلني أتساءل: “هل هذا الضعف ناتج من (ثريا) نفسها أم هو المجتمع من حولها والضروف التي واجهتها، هي التي جعلتها تبدو ضعيفة؟!” من خلال دراستي لحالتها وحالة الشعب اليمني، اتضح لي أن هناك سببين لمثل حالتها، فأما السبب الأول فهو خوفها من المستقبل المجهول، وهذا أكبر شيء يؤرق أي فتاة في هذا العالم، والسؤال الدائم الذي يحوم في عقل أي فتاة شابة: “كيف سأكون في المستقبل؟ هل سأكون سعيدة مع شريك حياتي؟ كيف سيكون شريك حياتي؟” وأما السؤال الأكثر بؤسًا للفتاة ويجعلها تشعر بالضعف هو: “هل سأتزوج أم سيتجاهلني الجميع لأبقى عانسة؟” كل هذه الأسئلة قرأتها في حالة (ثريا) بطلة الرواية، فرأيت أنها تعمل بالحكمة التي تقول: “شيء خير من لا شيء” وهي لا تعلم أن بعض الأشياء هي في الحقيقة لا شيء.
وأما السبب الآخر، فهو الظروف التي لم تتوافق مع أحلامها وطموحاتها، فالمجتمع المنغلق يُملي قوانينه على المرأة بدون قيود ودون أي وازع ثقافي، والجميع يرى المرأة آلة للمتعة تُنفِّذ الأوامر متى طلب منها الرجل ذلك، ويمكنه التخلي عنها متى شاء وشراء آلة أخرى جديدة يمكنه استخدامها بطريقة أكثر أريحية، كذلك التفكير الاستعلائي للرجل، إذ يرى نفسه الأقوى وله الحق في التحكم بالمرأة، وهذا منتشر أكثر في المجتمعات المنغلقة التي تتحكم بها العادات والتقاليد مثل اليمن.
تطرّق الكاتب في الرواية لحالة الشعب اليمني في ظل الحرب، وهو حال الكثير من الشعوب العربية، فتحدث عن آثار الحروب على الشعوب، وكيف تصنع الخلافات بالبلدان، فتجلب الخراب على الديار والذل على أهل الدار، ربما كان للكاتب مآرب أخرى من اختياره للشخصيات في الرواية، فقد لاحظت تساؤلات وجودية كالسؤال عن ماهية القدر، هل هذا العالم يديره إله رحيم أم إله لا يأبه بالعباد أم أنه لا يوجد إله بالأصل؟!
لغة الرواية كانت بسيطة وسلسة، ليس فيها تعقيدات كثيرة، فالمبتدئون من القُرّاء يمكنهم قراءتها وفهم الكثير من معانيها بسهولة، قد يقرأها يمنيون فيفسرونها تفاسير مختلفة، ثم يقرأها وجوديون وسياسيون فيفسرونها بتفاسير أخرى أيضًا، وهذا يُحسب للكاتب.
لا أُنكر أني ظلمت الرواية في البداية عندما رأيت أنها لا تستحق القراءة، ولكن هذا التصرف الذي بدر مني قد يكون سببه الغثاء الذي نعيشه في هذا الزمن.